رفتن به محتوای اصلی

إيران وراء قبضة خامنئي ورئيسي

رئيسي و خامنئي
AvaToday caption
لا يزال رئيسي بعد مضي ثلاث سنوات من الرئاسة يفتقد إلى رؤية واضحة في التعامل مع قضايا المجتمع الإيراني بمختلف مكوناته القومية ولا يعرف عنه أي تخطيط في المجال الثقافي والتنموي منذ أن تقليد المناصب العليا
posted onOctober 31, 2023
noدیدگاه

كمال سلمان العنزي

لما نجحت القوميات المتعددة في الإطاحة بالنظام الملكي البهلوي، رفعت إيران شعارات بعد عقدين منها حوار الثقافات ثم ثقافة المسامحة 1997ـ2004 من أجل تلميع صورة ما خلفته وراء سياسة المعاداة لدول الخليج والولايات المتحدة. وما لبث أن انقلبت الأجواء مرة أخرى عودةً على بدء بفوز إبراهيم رئيسي 2021 في انتخابات شهدت غياب الترشيح الحرّ والانتخابات الديمقراطية النزيهة بحسب رأي الكثير من المعنيين بالشأن الإيراني. وكان مجيء رئيسي لمنصب الجمهورية بعد قناعة المرشد الأعلى علي خامنئي أخيرا من أنه يلزم التناسق بين قيادة المرشد ورئيس البلاد. ومن هنا لا يوجد أفضل من رئيسي المشاء حذو خامنئي في السياسة الداخلية والخارجية والحاصل على درجة آية الله بلا تعب ونصب عبر بروباغندا الإعلام الحكومي وإعلام الحرس الثوري الإيراني ومؤسسة أستانة القدس الرضوي. فهو وخامنئي يشتركان أيضا في الحصول على هذه الدرجة (= آية الله بين عشية وضحاها) التي أصبحت قضية تخضع للمصلحة السياسية في إيران.

وبالإضافة إلى ما تقدم هناك نقطة اشتراك أخرى هي أن رئيسي من مواليد مشهد ثاني معقل المعاهد الدينية الأكثر دوغماتية والهرطقات المعادية للفلسفة بتيارها الفكري الشيعي (= المدرسة التفكيكية) الذي يقصي العقلانية وهو من نماذج ما نطلق عليه منذ سنوات مسمى السلفية الشيعية. ومن أداء هذا التيار في مشهد هجوميته القادرة على فرض الحظر على كثير من المراسيم والخطط والبرامج الثقافية كإقامة الحفلات الشعبية بخاصة الموسيقي والفن الحديث ولو بترخيص من وزارة الثقافة كون أحمدُ علم الهدى والدَ زوجة إبراهيم رئيسي ينتمي إليه، وله قولُ الفصل خلال صلاة الجمعة في مثل هذه الأمور.

إن مواقف إبراهيم رئيسي بالنسبة إلى السياسة الإيرانية هي كما مواقف خامنئي، حيث النظر بعين الريبة والعداء للغرب. فمثلا نجد أن رئيسي يؤكد في حفل أقيم في مشهد يوليو 2016 «في التاريخ لم نشهد قط دولة نالت سيادة وكرامة بمساندة من الغرب والولايات المتحدة» وهو يعتقد أنه بدلا من التواصل مع الغرب يجب إعماد «الأعمال والأنشطة الجهادية» داخل إيران. ولرئيسي حمولة مفردات لغوية ينسخها من خامنئي يستعملها في المناسبات من أهمها مفردة فتنة العدو التي وظفها خامنئي 2009 للمرة الأولى كحجية على قمع المعارضة الخضراء وأخذت كقاعدة فيما بعد وطبقت في قمع ثورة «المرأة، والحياة، والحرية» وكذا احتجاجات ما تكون هنا وهناك في إيران يقال لها «احتجاجية سبت الأسبوع». وفي رأيي أن رئيسي هو بحاجة إلى هذه الحمولة اللغوية والقمع والتشبه بشخصية خامنئي لكي يؤهله للإدراج في قائمة مرشحي قيادة النظام الإيراني منصب ولاية الفقيه وفق ما نسمعه من منقولات شفوية باللغة الفارسية على لسان مقربين من صناع القرار بالنظام.

لا يزال رئيسي بعد مضي ثلاث سنوات من الرئاسة يفتقد إلى رؤية واضحة في التعامل مع قضايا المجتمع الإيراني بمختلف مكوناته القومية ولا يعرف عنه أي تخطيط في المجال الثقافي والتنموي منذ أن تقليد المناصب العليا، بل المعلوم أنه أنهى أهم أدوار حياته في جهاز القضاء لإصدار أقسى الأحكام على الأرواح والممتلكات ومناهضي النظام الإيراني بخاصة النساء. وكانت قيوده المفروضة على ناشطات في حقوق المرأة من أعنفها وأقساها، وهو يتبنى الفصل بين المرأة والرجل. فمثلا في 2014 عندما كان النائب الأول لرئيس جهاز القضاء الإيراني دعم بلدية طهران في تنفيذ خطة الفصل بين المرأة والرجل الإناث والذكور وادعى «أن النساء كن أول المدافعين عن الخطة.. تحتاج النساء إلى بيئة هادئة ومريحة تماما للقيام بعمل أفضل [والفصل بين النساء يوفر ذلك]» والغريب خلال المناقشة الانتخابية اتهم رئيسي الدولة السابقة بتعليق مشروع قانون "الحفاظ على كرامة المرأة وحمايتها من العنف" بينما كان مشروع القانون قيد المراجعة القضائية منذ حوالي 2018 يوما.

وفي هذا السياق ضمن أهم حدث شهدته إيران خلال فترة رئيسي أنه يردد خطاب خامنئي بانتساب «ثورة المرأة، والحياة، والحرية» إلى العدو والغرب وأن الثوار مخدوعون، لذلك على «المخدوعين أن يدركوا أن العدو يبحث عن الخداع والأذى والفتنة، مشكلة العدو ليست حقوق الإنسان، ولا "المرأة"، ولا "الحياة" ولا "الحرية"، بل إزهاق الحياة في إيران» بحسب رأيه.

وتحدث في عدة مناسبات أن حقوق المرأة مصانة في إيران، وهذا لا يتناسب مع ما نشهده من انتهاكات تجاه المرأة في إيران. ومن أشهرها في العقد الأخير واقعة مهسا أميني صارفا النظر عن تقارير منظمات حقوق الإنسان الموثقة للانتهاكات صامّا سمعه عن صوت النساء الناشطات في إيران منهن نرجس محمدي الأذرية التي حصلت على النوبل للسلام 2023 قولها عن «هناك تزايد في التحرش بالمعتقلات والسجينات وتعريضهن للضرب خلال الأشهر الماضية». ومما قاله في خضم ثورة المرأة 2022 «بفضل الثورة الإسلامية أصبحت المرأة حرة». بينما استعمال القمع الممنهج تجاه قتل النساء وموت النشاطات بالمستشفيات بظروف غامضة كما حصل مؤخرا للناشطة أرميتا غراوند 2023 الملقبة بمهسا أميني الثانية، والتي تعرضت للضرب في ميترو طهران قبل شهر، ثم أودعت مستشفى فجر العسكري لتموت بتلك الظروف نفسها. فكل هذه الانتهاكات تثبت خلاف ما يدعيه رئيسي، ولو أن معالجة الأمور بهذه الصورة الممنهجة من أحد الأسباب المهمة لبقاء النظام الإيراني إلا أن هذا لن يضعف إرادة الشعوب إيران في التحول من نظام ديني استبدادي إلى علماني ـ ديمقراطي.