عبرت الخارجية الإيرانية لبغداد عن موقفها من عدم تمديد مهلتها لطرد أو نزع سلاح التنظيمات الكوردية المناوئة لطهران من إقليم كوردستان قبل نهاية سبتمبر (أيلول) المقبل بقولها إنها "نقطة سوداء يجب إزالتها خلال شهر مع العراق"، فيما يرى مراقبون أن هناك عقبات أمام حكومتي بغداد وأربيل في الالتزام بالمهلة الإيرانية، فما هي أبعاد الخطوة والسيناريوهات المتوقعة؟
وجاء الموقف الإيراني على لسان المتحدث باسم الخارجية ناصر كنعاني أمس الإثنين حين قال إن "العراق تعهد بموجب اتفاق بنزع سلاح التنظيمات الإرهابية الانفصالية الكوردية وإخراجها من الثكنات العسكرية إلى معسكرات يحدد موقعها العراق"، مبيناً أن "بغداد أبلغت حكومة إقليم كوردستان بمضمون الاتفاق الواجب تنفيذه، ولن يتم تمديد المهلة قطعاً والتي تنتهي في الـ 19 من سبتمبر"، وقال إنه "على رغم علاقتنا الودية مع العراق لكن وجود الإرهابيين يشكل نقطة سوداء في هذه العلاقة".
وفي المقابل كان الرد العراقي متوافقاً وعبر عنه المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء هشام الركابي الذي قال إن "الاتفاق يمثل رؤية بغداد، وهو رسالة إلى دول الجوار بأنه يرفض تهديد الجماعات أمن وسلامة أراضيها، وسيواصل عمله في هذا المسار".
ونوه إلى أن "الاتفاق ينص على منع تسلل المسلحين بعد نشر قوات حرس الحدود وتسليم المطلوبين بعد صدور أوامر القبض وفقاً للقانون، ونزع السلاح وإزالة المعسكرات".
ويعود وجود التنظيمات الكوردية في العراق لمطلع ثمانينيات القرن الماضي، حين تلقت الدعم من نظام حزب البعث المحلول عقب اندلاع الحرب مع إيران، وحافظت على حضورها بعد انتفاضة كورد إقليم كوردستان على نظام البعث عام 1991.
وتتصدر هذه التنظيمات خمس قوى رئيسة أقدمها "الديمقراطي الكوردستاني" وهو حزب قومي علماني، إلى جانب حزب "كوملة" ذو التوجه اليساري الثوري، وكلاهما عانا انشقاقات قبل ظهور حزب "الحياة الحرة" المعروف اختصاراً بـ "بجاك" الذي يمثل الذراع المسلح لحزب "العمال الكوردستاني" المناوئ لأنقرة.
وتتباين الرؤى في إمكان تطبيق عملية نزع السلاح واقعياً أو طردها على غرار سيناريو "مجاهدي خلق" المعارضة لطهران عندما وافقت ألبانيا على إيوائهم عام 2014، مع أخذ الظروف المحيطة بهذه التنظيمات بالاعتبار من حيث عوامل الجغرافيا والسياسة والترابط الاجتماعي والتاريخي بين الكورد على الجانبين العراقي والإيراني.
من جانبه يرى الباحث في الشؤون السياسية والأمنية فاضل أبو رغيف أن "مثل هذه القرارات تأتي متسقة مع تفاهمات عراقية - إيرانية تحت مظلة منظمات حقوق الإنسان واللاجئين، لكن لا أعتقد أن يتم ذلك بهذه السرعة على رغم وجوب ضبط إيقاع مثل هذه المجاميع كي تلتزم بالقوانين واللوائح الصادرة على الأراضي العراقية في ما يتعلق بحملها السلاح الذي حتماً سيكون أداة استفزاز لدولة مجاورة".
وتابع، "من هنا فإن العراق يرفض أن تكون أراضيه نقطة انطلاق لشن هجمات على أية دولة متاخمة أو إقليمية وجارة".
وحول ما إذا كان للملف بعد استراتيجي إيراني بحكم محدودية قدرات هذه التنظيمات في تهديد الأمن القومي الإيراني، قال "لا اتفق مع هذه الرؤية لأنها سبق وأن نفذت عمليات في العمق الإيراني، وطالما أنها تمتلك السلاح فهي لا تختلف عن غيرها من الجماعات مثل حزبي ’العمال‘ و ’بيجاك‘ وغيرها، لذا فهي قادرة على إلحاق الضرر بمصالح طهران وفق أدلة واتهامات الأمن الإيراني لها".
وعما إذا كانت هذه التنظيمات قادرة على مجابهة الاتفاق يعتقد أبو رغيف أنها "لا تملك خيار المجابهة أو الرفض، وفي أسوأ الحالات سيتم استنساخ تجربة ’مجاهدي خلق‘ وهي ترحيلها إلى دولة أخرى، ويبدو أن هناك حلحلة لبقية التنظيمات الحاملة للسلاح في المنطقة".
وأبرمت حكومتا بغداد وطهران في مارس (آذار) الماضي اتفاقاً باسم "حماية أمن الحدود" بعد سلسلة هجمات عنيفة شنها الحرس الثوري الإيراني العام الماضي، إحداها بالصواريخ باليستية وطاولت موقعاً في أربيل زعمت طهران بأنه مركز للـ "موساد" الإسرائيلي من دون وقوع إصابات.
وفي غارات أخرى استهدفت طائرات مسيرة وصواريخ مكاتب ومقار تابعة للتنظيمات الكوردية أوقعت عشرات القتلى والجرحى، وتقدر مصادر حكومية في الإقليم عدد الهجمات الإيرانية خلال الأعوام الخمسة الماضية بأكثر من 100 هجوم، فضلاً عن اغتيال العشرات عناصر هذه التنظيمات في عمليات فردية.
لكن اتفاق بغداد وطهران لطي هذا الملف تعترضه جملة من التحديات، مع امتلاك هذه التنظيمات أدوات للمناورة في بيئة كانت عصية دائماً على الاختراق من الناحية العسكرية، وفي هذا الجانب يعتقد المتخصص في الشأن العراقي سامان نوح أن "هذا الملف شائك يستغله الطرفان لتسويقه داخلياً، لأن عمليات هذه التنظيمات في الداخل الإيراني منذ أعوام كانت محدودة للغاية وغير مؤثرة، واقتصر تأثيرها على الجوانب السياسية والترويجية لتشجيع الاحتجاجات وأساساً هي قوى مشتتة وضعيفة مما جعل الملف ليكون أداة دعائية".
وفي مدى إمكان تجريدها من الأسلحة قال نوح إن "هذه عملية صعبة لأن جل السلاح هو من النوع الخفيف وهو سهل الإخفاء، كما أن إغلاق معسكرات متواضعة لا يعني تلاشي مقاتلين قادرين على التخفي، ومعظمهم لاجئون يتطلب نقلهم إلى دولة أخرى".
وعقب إعلان الخارجية الإيرانية موقفها قال القائد في قوات حزب "الكادحين" أمجد حسين بناهي إن "الكورد لم يحققوا بعد أهدافهم، لذا لا يحق لأحد أن يطالبنا بإسكات لغة السلاح"، واستشهد بمقولة لزعيم جنوب أفريقيا الراحل نيلسون مانديلا "عندما تتحقق أهدافنا فإن صوت السلاح سيتوقف".
فيما لم يصدر أي رد رسمي حتى نشر التقرير من حكومة أربيل التي تصف أوساطاً سياسية موقفها بالمحرج نظراً إلى الروابط القومية والتاريخية والسياسية بين الكورد على الجانبين العراقي والإيراني، علماً أن أربيل وبغداد ماضيتان في اتفاق تشكيل لواء حرس جديد لنشره عند النقطة الصفرية الحدودية مع إيران.
وبالعودة للمتخصص في الشأن العراقي سامان نوح فإنه يرى أن "هناك فصائل ستكون مستثناة من هذا الاتفاق سلفاً، ومنها حزب ’بيجاك‘ لأنهم كانوا دائماً خارج سيطرة الحكومات المعنية بالملف ومنها تركيا لوجودهم في مواقع جبلية عصية على أي إجراء عسكري، كما يمتلك أكثر عدد من المقاتلين وهو الأفضل تسليحاً وتنظيماً وله القدرة على تنفيذ عمليات محدودة في إيران".
ويعني ذلك، وفق نوح، أن أي اتفاق لا يشمل "حزب بيجاك" سيكون محدود النتائج، والمعلومات تشير إلى إبعاد بعض التنظيمات من الحدود إلى عمق الإقليم وعدم إظهار أسلحتها.
وإزاء سيناريو ترحيل المسلحين على غرار منظمة "مجاهدي خلق" قال "هذا المسعى واقعياً يتطلب تفاهمات عميقة مع حكومة أربيل ومع المجتمع الدولي، واليوم فإن وضع الدول الأوروبية لا يسمح باحتضان لاجئين وفق المؤشرات خلال الأعوام الماضية، وهذه الدول تفضل بقائهم في العراق كما لم تعلن أية دولة حتى الآن عن رغبتها باستقبالهم حتى وإن حصل هذ السيناريو فإن تنفيذه سيحتاج لأعوام".
وتربط بعض الرؤى الاستراتيجية الإيرانية بدوافع أبعد من طرد المجاميع المسلحة ومنها الرغبة في تعزيز نفوذها على الساحة العراقية في مقابل النفوذ التركي المتزايد، وفق مصادر مطلقة، بخاصة أن لطهران منذ عقود موطئ قدم في السليمانية والمناطق المحاذية لها والخاضعة لسلطة حزب ترتبط معه بصلة وثيقة، ألا وهو "الاتحاد الوطني" بزعامة بافل طالباني.
كل ما سبق يضاف إلى الرغبة الإيرانية في تعزيز سلطة بغداد التي تقودها قوى شيعية موالية لها على إقليم كوردستان لكونه نقطة هشة متاحة للاختراق من قبل قوى إقليمية ودولية مثل تركيا والولايات المتحدة، وما يشكله من تهديد للأمن القومي الإيراني.