رفتن به محتوای اصلی

قاموس بلاكويل يعولم مصطلحات الفكر الاجتماعي

قاموس بلاكويل
AvaToday caption
عام 2003 جرى تحديث قاموس بلاكويل. كان كل من بوتومور وجيلنر ونيسبت قد وافتهم المنية، مما جعل أوثويت، أستاذ علم الاجتماع في ساسكس، يحرص على تكريس المشروع المحدث لذكراهم
posted onJanuary 1, 2023
noدیدگاه

عند دخول العالم قرناً جديداً وألفية ثالثة كان لا بد من إعادة التفكير في المذاهب الاجتماعية والسياسية التي نشأت في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وازدهرت في القرن العشرين، على خلفية التغيرات الهائلة والسريعة في بنية المجتمعات البشرية وثقافتها، هذا بعد أن مرت صورة المجتمع في عقل الإنسان بتطورات مذهلة، وأفرزت أنماطاً مغايرة من التفكير والممارسات، أفضت بدورها إلى تشعب العلوم الاجتماعية تشعباً واسعاً، وظهر تأثيرها القوي في الفكر الاجتماعي ككل. ومن الأمر ما استلزم تنويع قاموس الفكر الاجتماعي على أوسع نطاق ممكن، بحيث يشمل العلوم الاجتماعية والفلسفة والنظريات والعقائد السياسية والأفكار والحركات الثقافية وتأثير العلوم الطبيعية. وهو ما اضطلع به الباحث الشهير توم بوتومور بمساعدة وليام أوثويت ومساهمة 240 أستاذاً جامعيا من إنجلترا وأميركا وكندا، فضلاً عن ثلاثة مستشاريين في التحرير، هم إرنست جيلنر وروبرت نيسبت وآلان تورين، لكن توم لم يعش ليرى نتيجة جهوده الواسعة والمتنوعة بين دفتي مجلد، إذ توفي في ديسمبر (كانون الأول) 1992 قبل أن تصدر الطبعة الأولى في عام 1993 بعنوان "قاموس بلاكويل للفكر الاجتماعي في القرن العشرين".

ولعله الحال نفسه مع المفكر والأكاديمي والمترجم فالح عبدالجبار، الذي أبدى حماسة شديدة لنقله إلى العربية وظل يتابع مراحل إعداده للطباعة بحرص شديد، ولكنه رحل عن عالمنا بدوره قبل أن يتسنى له رؤيته في النسخة الصادرة حديثاً، وهي الأولى بالعربية، عن هيئة البحرين للثقافة والآثار في إطار "سلسلة مشروع نقل المعارف"، مما جعل المشرف على مشروع الترجمة الأكاديمي وعالم الاجتماع الطاهر لبيب، يصدره بإهداء إلى المترجم الواسع المعرفة الذي "افتقدناه، إنساناً وصديقاً وقامة عالية في معارفنا العربية، وقد ترك فيها خطوطاً عميقة. ووسم بعضها في حقول الاجتماع والسياسة، كما تخط سن محراث عنيد أرضاً يابسة... نهديه إنجازه، ونعتذر له عن التأخير". وأعرب أيضاً محرر القاموس ومحدثه لاحقاً، وليام أوثويت عن بالغ الامتنان لعالم الاجتماع العراقي فالح عبدالجبار "على قراءته النص بهذه العناية البالغة وقيامه بزج خبرته البحثية الواسعة في هذه القراءة"، آملاً أن تحظى هذه الترجمة العربية بالنجاح الذي تستحقه هي ومترجمها. أما الترجمة الحالية فتمت في "معهد الدراسات العراقية" بإشراف الرحل فالح عبدالجبار.

على رغم أهمية الجهود الفردية في هذا الصدد، فإن مطلب الشمول دائماً ما يستدعي روح الجماعة، بكل ما تنطوي عليه من تلاقي الأفكار وتلاقحها، لأجل هذا استعان الباحث توم بوتومور بطيف هائل من المشتغلين بالعلوم الاجتماعية في العالم، بهدف تقديم نظرة عامة موثوقة وشاملة إلى الموضوعات الرئيسة للفكر الاجتماعي، وتطوره من بداية القرن العشرين (أو قبل ذلك) حتى نهايته، وذلك على خلفية البانوراما الواسعة والمتغيرة للحياة الاجتماعية في هذا العصر المضطرب، أملاً في توفير مرجع قيم لكل من يهتم بآفاق التنمية المستقبلية للمجتمع البشري، ولكن كيف يمكن للبحث أن يقترب من هذا المجال المتشعب؟

في محاولة لاحتضان هذا العالم الواسع المسمى "الفكر الاجتماعي"، ارتأى فريق العلماء أن من الممكن الاقتراب منه بمعالجة ثلاثة مواضيع أساسية: أولاً، المفاهيم الرئيسة المتعلقة بالفكر الاجتماعي. ثانياً، المدارس والحركات الفكرية الرائدة، وثالثاً، تلك المؤسسات والمنظمات التي كانت إما أهدافاً مهمة للتحليل الاجتماعي، أو قامت بتوليد عقائد وأفكار ملهمة.

لسوء الحظ، بحسب رأي المتخصصين، كان من الضروري تناول موضوع رابع يدور حول المنظرين الاجتماعيين، كما هو مفترض في القواميس الشاملة، فضلاً عما جاء في المقدمة من وصف مصطلح "اجتماعي" في نهاية القرن العشرين بأنه لا يزال حديثاً نسبياً، كما كان في الغالب مفهوم "العلوم الاجتماعية" المتميزة، مع أن الفيلسوف الاقتصادي والسياسي فريدريش حايك، رصد في كتابه "الغرور القاتل" ما يقرب من 160 مصطلحاً تتسم بالكلمة المرنة "اجتماعي".

وبغض النظر عن هذا التصدير الذي يبدو غير معقول، ظهر حرص المجموعة على استكمال المواضيع المخصصة بمداخلات أخرى لتوضيح جميع الأوجه للأفكار والنظريات المطروحة، كما نتبين في مدخل علم الاقتصاد وتوسعاته بمداخل حول مدارس الفكر الاقتصادي ومفاهيمه المتنوعة. وعلى المنوال نفسه جرت معالجة المداخل الأخرى كمدخل الماركسية، الذي قدم الاتحاد السوفياتي للبشرية أول "تمثيل" له على المسرح العالمي. وكذلك مدخل الفلسفة لبيتر مانيكاس، ليشمل فلسفات القرن العشرين، ويعمل على سرد جميع الشخصيات والتيارات الرئيسة.

أيضاً، لم يكتفِ القاموس بطرح "المفاهيم الأساسية" فحسب، بل توسع ليشمل معظم المفاهيم التي يتماس نطاقها مع مجال الفكر الاجتماعي، كعلم الجمال والاقتصاد وعلم الاجتماع والفلسفة والأخلاق واللاهوت والفكر الاجتماعي لديانات العالم، لكن بعض موضوعاته بدت فضفاضة للغاية حد أن تبنت الفكر الاجتماعي نفسه: الحضارة والثقافة والتاريخ واللغة والأدب. وبشكل عام، يوضح المجلد أن أي موضوع فكري يمكن تصنيفه على أنه "اجتماعي". وينوه الباحثان في المقدمة إلى التطور الهائل في جميع المجالات الرئيسة للفكر الاجتماعي وتكاثرها عبر التاريخ. ومن ثم انصب هدفهم على دمج هذا الجانب التاريخي، والعودة في كثير من الحالات إلى أفكار القرون السابقة التي من شأنها أن تضيء أو توسع الموضوع وتضعه قيد المناقشة، وذلك بتخصيص جزء كبير لمجموعات فكرية معينة كانت مؤثرة في القرن الماضي في العلوم الاجتماعية الفردية والمدارس الفلسفية والمذاهب السياسية والأساليب الفنية المميزة والمؤلفات، مما أسهم في تأسيس موسوعة واسعة النطاق للفلسفة الأخلاقية والسياسية التطبيقية، مؤلفة من مداخل قوامها مقالات قصيرة، تتراوح بين عمود وصفحتين أو ثلاث صفحات، وببليوغرافيا ضخمة بجميع المصادر المذكورة، تمتد إلى 90 صفحة، وجميع مداخلها مدعومة بقائمة من القراءات المقترحة.

عام 2003 جرى تحديث قاموس بلاكويل. كان كل من بوتومور وجيلنر ونيسبت قد وافتهم المنية، مما جعل أوثويت، أستاذ علم الاجتماع في ساسكس، يحرص على تكريس المشروع المحدث لذكراهم. يقول أوثويت في المقدمة، "يوم فرغنا توم بوتومور وأنا، كان مصطلح العولمة قد دخل الرواج لتوه، لكن القاموس يقف مثالاً مبكراً على مشروع أكاديمي معولم بحق".

وعلى رغم تضمين الطبعة الثانية عديداً من التحديثات، فإنها حوت أيضاً بعض العيوب مقارنة بالإصدار الأول، الأمر الذي يعزوه مارتن غوها (أمين مكتبة في بريطانيا) إلى صعوبة تولي شخص كتاب شخص آخر، مع كل المراوغات والأحكام المسبقة للمؤلف الأصلي. فالمخاطر تكمن في الإفراط في حماية الأصل، أو محاولة تقليص التغيير إلى أقصى حد ممكن، وهو ما وقع فيه أوثويت. فمع حرصه على تحديث نحو 200 إدخال وتضمين إدخالات جديدة عن الإنترنت والتطهير العرقي وموضوعات أخرى، جاءت النتيجة محدودة القيمة، إذ اقتصرت التحديثات في معظمها على مجرد إضافة ثانوية إلى المراجع الببليوغرافية، في حين تم تقليص القاموس جراء حذف ملحق عن السيرة الذاتية، وكذلك حذف الفهرس الموجود في إصدار 1993، الأمر الذي اعتبر عيباً في هذا المشروع العملاق.

وفي عام 2006 صدرت نسخة ورقية من القاموس من دون أي تعديلات على النص المحدث، على رغم أن مياهاً جرت في النهر، أضف إلى ذلك أن التاريخ لم ينته عند عام 1989، وبعض المداخل مثل تلك المتعلقة بالدين باعتباره وسيلة فعالة لزراعة الهويات العرقية والقومية والتعبير عنها في بلدان مختلفة، مثل روسيا وإيران وسريلانكا، وقد ظهرت بوضوح في الآونة الأخيرة، كانت بحاجة إلى إعادة كتابة وفقاً لمنظور جديد يستمد آلياته مما جرى على أرض الواقع بدلاً من الاكتفاء بمجرد التحديث. وعلى رغم أن توم بوتومور قام بإيلاء العلاقات الوثيقة بين علم الاجتماع والفلسفة والسياسة اهتماماً معقولا، فإنه لم يهتم إلى حد كبير بالنظرية الاقتصادية، وكان من الممكن تدارك هذا النقص واستغلال الفرصة لإضافة مزيد من المواد حول الفلسفة الاقتصادية إلى هذه الطبعة، لجعلها أكثر توازناً.

يرى جيمس دير ديريان (جامعة براون وجامعة ماساتشوستس أمهيرست) أن "هذا الكتاب أداة لا غنى عنها للبحث الاجتماعي والسياسي والفكري بشكل عام. وقد قدم وليام أوثويت خلاصة وافية وقيمة من الشخصيات الرئيسة والمفاهيم المركزية والحركات المؤثرة والمؤسسات المهمة في العصر الحديث"، وهو ما يتردد صداه في كلمة مارغريت آرتشر على غلاف الطبعة المحدثة التي تؤكد أنه لا يزال أفضل قاموس متاح بحيث "يمكن للطلاب التخلي عن كتبهم المدرسية واتباع هذا المسار المرجعي"