Skip to main content

أوكرانيا وإيران بين الصدام والمهادنة

قوات روسية قرب أوكرانيا
AvaToday caption
يجب عدم استبعاد العمل العسكري المحدود في أوكرانيا وإيران، فمرحلة إثبات الذات محملة دائماً بحسابات وتقديرات متغيرة وغير مستقرة، تجعل التصعيد غير المحسوب احتمالاً قائماً
posted onJanuary 24, 2022
nocomment

نبيل فهمي

اختلفت كثيراً مع أصدقاء في العالم الصناعي المتقدم في الكتلة الغربية أو الشرقية سابقاً حول مقولة إن العالم يمر بمرحلة أمن واستقرار لمجرد أن الدول الكبرى ليست في صدام مباشر مع بعضها بعضاً بعد انتهاء الحرب الباردة.

ورفضت هذه الخلاصة شكلاً ومضموناً لأن هذه الرؤية كانت وما زالت تعكس أن المنظور والأولوية الدولية لتلك الدول هي ما يخدم مصالح دولهم فحسب، وأن بقية دول العالم ليست إلا عنصراً مكملاً للمعادلة، ولإعطاء شرعية لنظام دولي وضع بعد الحرب العالمية الثانية، وما يؤكد ذلك يتمسكون به ويرفضون تعديله ليتماشى مع الأوضاع الدولية، كان ذلك في توسيع عضوية مجلس الأمن، والإصرار على حقوق تمييز غير مشروعة وخاطئة، والاحتفاظ بقدرات نووية عسكرية دون غيرهم، باعتبارهم وحدهم الدول المسؤولة والحكيمة التي تستطيع التعامل مع الأسلحة النووية، بل وتدفع باستهتار بأن مخاطر الفناء النووي خلق مزيداً من الأمن والأمان للجميع، وهي توجهات تقترب من العنصرية والخرافات  السياسية.

ففلسفتهم النووية المؤسفة والمخجلة تضع العالم كله في خطر، فضلاً عن أن نصف القرن الماضي شهد استخدام القوى الكبرى للقوة خارج حدودها مراراً وتكراراً، وأن هناك تزايداً كبيراً في النزاعات الإقليمية ودون الإقليمية، بما يفند كلية أن الأمن والاستقرار الدولي على ما يرام.

وكما ذكرت مراراً هناك إعادة هيكلة للتوازن الدولي والخريطة السياسية على المستوى الدولي والإقليمي، فبين الدول الكبرى نجد الولايات المتحدة ساعية إلى تأكيد ريادتها السياسية، بخاصة على حساب منافستها السابقة روسيا، مع قلق متنام من الصعود الصيني، وتتزامن هذه الرغبة بتراجع وانكماش في استعداد الولايات المتحدة استخدام القوة العسكرية والسياسية، بعد أحداث العراق وأفغانستان، مع طموح من دون عزيمة.

في المقابل هناك اهتمام روسي بخاصة من الرئيس بوتين بوضع حد للجنوح الغربي شرق أوروبا، خصوصاً بين دول الشمال وأوكرانيا وبولندا، بغية استغلال الإرهاق الأميركي لتحقيق بعض الإنجازات وتوسيع دائرة النفوذ ووضع خطوط حمراء لا يتم تجاوزها، فشهدنا تصعيداً عسكرياً روسياً في أوكرانيا وتوترات سياسية أفرزت اتصالات رئاسية بين البلدين واجتماعات بين وفودهم في جنيف.

وكل ذلك يعكس اهتمام الجانبين بإثبات شخصيته السياسية مع حذر شديد ورغبة أكبر في تجنب أي خطوات تؤدي إلى صدام عسكري واسع، وإن كان ليس مستبعداً أن نشهد بعض المناوشات المحدودة.

وينطبق الشيء ذاته في ما يتعلق بالمنافسات الأميركية الصينية، تصعيد سياسي وخطابي عن الأوضاع الدولية، في حين أن ساحة المواجهة العسكرية على المدى القصير لن تخرج عن منطقة محدودة في الجوار الآسيوي للصين.

هذا ونجد نفس الاعتبارات والحسابات في ما يتعلق بإعادة إحياء الاتفاق النووي بين الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الخمس، وألمانيا مع إيران، وتبذل الإدارة الأميركية قصارى جهدها لعدم انفلات الأمور إلى صدام عسكري في ضوء المزاج المجتمعي الأميركي غير المرحب بذلك، وما يعقد الأمور أن حليفها الرئيس إسرائيل تصعّد في اتجاه الضغط العسكري من قبل أميركا، والإدارة الإيرانية الجديدة بعد الانتخابات الأخيرة هي أيضاً في مرحلة إثبات الذات، وتجنب الظهور بالضعف، ومن ثم فكل من أميركا وإيران تفضلان تجنب الصدام العسكري المباشر والعمليات المحدودة ضد حلفاء الطرف الآخر، وهما غير قادرتين على تقديم تنازلات جوهرية تسمح باستقرار الأمور.

تذكرني الأوضاع الحالية حول أوكرانيا وإيران بعض الشيء بمفهوم "لا سلم ولا حرب" الذي ساد في الشرق الأوسط في القرن الماضي لسنوات طويلة، مع استمرار نزاع ممتد، مناوشات عسكرية محدودة بين الحين والآخر وحراك دبلوماسي لضبط الأمور وليس لحلها، وعدم استقرار الأوضاع الدولية والإقليمية وبلورة الأطراف لقواعد ثابتة وطموحات واضحة لدورهما الدولي والإقليمي يجعل من الصعب تصور الوصول إلى اتفاقات جوهرية لموازنة جديدة بين روسيا والعالم الغربي، أو مع إيران في الشرق الأوسط بكل تفاعلاتها وحساباتها، وهي حلول تحتاج إلى تفاهم استراتيجي تفصيلي عن الوضعين الدولي والإقليمي، احتياج لا تسمح الظروف السياسية غير المستقرة بتحقيقه من الأطراف، بخاصة أن الظروف الداخلية لهم جميعاً تمر بمرحلة تطور مستمر.

ويجب عدم استبعاد العمل العسكري المحدود في أوكرانيا وإيران، فمرحلة إثبات الذات محملة دائماً بحسابات وتقديرات متغيرة وغير مستقرة، تجعل التصعيد غير المحسوب احتمالاً قائماً.

مع هذا، لا أرى أن أياً من الأطراف الرئيسة يحبذ العمل العسكري، كما أجدها غير قادرة على اتخاذ مواقف سياسية استراتيجية، كان ذلك أميركياً مع اقتراب الانتخابات البرلمانية أو في روسيا وإيران الباحثتين عن نقطة الارتكاز السياسية.

وعليه لا يرجح الصدام العسكري، ولا أتوقع نجاح المفاوضات بين الأطراف الرئيسة للتوصل إلى حلول شاملة لاعتبارات داخلية وإقليمية ودولية، وأعتقد أننا على وشك الانتقال إلى مرحلة الاتفاقات المرحلية المؤقتة بغية بناء الثقة أو ترتيبات إدارة الأزمات وتثبيت المواقف، تاركين الحلول الجذرية إلى ظروف أخرى، وهو ما تعكسه التصريحات الحذرة للمفاوضين حول أوكرانيا، وما يتردد عن اتفاق مرحلي في ضوء المفاوضات الأميركية - الإيرانية المستجدة في عمان، على غرار ما تم أثناء إدارة أوباما بين مسؤولين ايرانيين وبل برنز الذي أصبح الآن مديراً لوكالة الاستخبارات الأميركية