Skip to main content

حكمة الصبر الطويل مع إيران

صواريخ إيرانية
AvaToday caption
الأصل فيه هو أن "تصدير الثورة" كان يعني حربا تخاض في الخارج وتكرس لها الموارد، لتجعل البلاد رهينة للعواقب والأضرار باستمرار. وها هي 42 سنة مضت وإيران تدور بين هاتين الحلقتين
posted onAugust 3, 2021
nocomment

علي الصراف

"الصبر الاستراتيجي" لم يدخل لغة السياسة عن عبث.

الاعتداءات على الناقلات العابرة في مياه الخليج العربي، ليست سوى فصل صغير من سياسات تهديد من غير المرجح أن تكف عنها إيران. ولكن الرد عليها ما يزال يقتضي التمسك بحبال الحكمة والصبر.

تعرف إيران أنها لا تستطيع أن تتحمل أعباء حرب. ونظامها المعزول في الداخل يمكن أن يتهاوى بسرعة مع أول إشارات اندلاعها. وحتى ولو صمد قليلا فإنه سوف ينهار بما يحصده من ثمارها المُرة. ولكنه يمارس سياسة حافة الهاوية، ليس للظهور بمظهر القوة، بل لأنه لا يملك خيارات أخرى.

برنامج إيران النووي، هو نفسه برنامج استفزاز. لا قيمة حقيقية أخرى فيه. إذ مَن ذا العاقل الذي يدفع في الاتجاه نحو إنتاج قنبلة نووية وشعبه يرزح تحت وطأة الفقر والبطالة، ويعجز عن توفير المياه الصالحة للشرب أو الكهرباء أو الخدمات الصحية في عز الحاجة إليها. ومَن ذا العاقل الذي يجرؤ على أن ينفق دولارا واحدا على برامج تسلح، بينما تتداعى بنيته التحتية ويواجه اقتصاده معدلات تضخم صاروخية؟

ولكن لسان حال سلطة الولي الفقيه يكاد يقول: وماذا يمكن أن نفعل، إلا الاستفزاز الخارجي لنبرر به كل ذلك الفشل؟ وهل نملك من الخيارات سواه؟

وفي الحقيقة، فإن مشروع "الثورة" الإيرانية نفسه، كان مشروع عدوان خارجي وفشل داخلي في آن معا، حتى لكأنهما حلقتان لا يمكن الفصل بينهما.

والأصل فيه هو أن "تصدير الثورة" كان يعني حربا تخاض في الخارج وتكرس لها الموارد، لتجعل البلاد رهينة للعواقب والأضرار باستمرار. وها هي 42 سنة مضت وإيران تدور بين هاتين الحلقتين.

غني عن القول إن عالم اليوم لم يعد عالم حروب ونزاعات مسلحة كبرى. ومسالك العدوان بات من الضروري إجراء معالجات داخلية لها، لأنها أكثر فاعلية وأقل كلفة من إثارة الاضطرابات الشاملة. وأنظمة التطرف، حتى وإن ظلت تمارس الاستفزازات، فإن عزلها والتضييق عليها يظل خيارا أكثر عقلانية من غيره.

إيران تضطرم بالمشاكل الداخلية. وقيادتها تجد أن من المفيد لها أن تقوم بترحيل هذه المشاكل إلى الخارج، فتحولها من أزمات سوء إدارة وسياسات داخلية فاشلة إلى أزمات عابرة للحدود. ولكن، انتفاضة بعد أخرى، يثبت بالدليل القاطع الآن أن سلطة الولي الفقيه تزداد عزلة بين الإيرانيين أنفسهم، ويضيق عليها الخناق. وقد لا يمضي وقت طويل حتى تتهاوى آخر جدران العهن المنفوش "بالصواريخ واليورانيوم المخصب".

الاعتداءات على حرية الملاحة في الخليج العربي، وأعمال الاستفزازات الأخرى التي تمارسها مليشيات إيران في غير مكان، تعيد تأكيد الحاجة إلى أن ترتبط المفاوضات من أجل العودة إلى الاتفاق النووي بشروط تتعلق ببرامج التسلح الصاروخية والسياسات المزعزعة للاستقرار في المنطقة.

وحتى لو أمكن رفع جانب من العقوبات، فهناك حاجة إلى التيقن من أن الأموال لن تذهب إلا في الاتجاه الذي يلائم مصالح الشعب الإيراني وليس سياسات نظامه.

ومما لا شك فيه، فإن سلطة الولي الفقيه لن تقبل بشروط تحد من قدرتها على ممارسة الاستفزازات إلا إذا أدركت ما يحيط بها من خطر داخلي.

وهو ما قد يعني أنها ستقف أمام خيارين: إما أن تتمسك بما لا تعرف سواه، لتواصل التهديد، وتواصل القيام بأعمال الإرهاب، أو أن ترضخ لمنطق العقل.

بقاء العقوبات، بل تشديدها، وفرض المزيد من العزلة الدولية، هو الجواب الصحيح. فهو قد يبدو أقل كلفة من خوض حرب، وقد يتطلب التضحية بالمزيد من الوقت، إلا أن نظاما ظل يتآكل بالفشل لا ينبغي أن يمنح الفرصة لنقل أزماته الداخلية إلى نزاع مسلح مع الخارج، فيطيل من عمره، ويوفر له المزيد من المزاعم والمبررات.

السلوك المشاغب، قد يعالج بالعقاب، ولكنه لا يعالج بالانسياق وراء أفاعيل الشغب. وخير لسلطة الولي الفقيه أن تضر نفسها بما تفعله، بما أنها لا تعرف سواه. وها هي تزيد التعقيد على نفسها قبل العودة إلى مباحثات فيينا.

يقول الشاعر:

ما يبلغ الأعداء من جاهل

ما يبلغ الجاهل من نفسه

و"الصبر الاستراتيجي" على الجاهل، يظل أقل كلفة وأكثر عقلا، وإن طال.