بازبدە بۆ ناوەڕۆکی سەرەکی

أحمد ألتان يرمي بطله بين حب مثالي وآخر حسي

أحمد ألتان
AvaToday caption
يأخذ المؤلف القراء في دوامة من الحسية والشغف واكتشاف الحياة والحب في علاقته مع مدام "حياة" التي يلتقي بها مساء في الاستديو وفي شقتها، أما سيلا فيراها في الجامعة نهاراً فيجلسان ويتحاوران، وترافقه أحياناً إلى غرفته المتواضعة
posted onJanuary 3, 2022
noبۆچوون

"يستطيع الخيال فقط أن يحلق بك خارج قضبان السجن"... تبدو هذه الجملة معبرة ومصيرية حقاً بالنسبة إلى الكاتب التركي أحمد ألتان الذي فاز في فرنسا هذا العام بجائزة "فيمينا" للرواية الأجنبية عن روايته "السيدة حياة"، وكان ألتان قد أصدر أيضاً عام 2019 كتابه "لن أرى العالم مرة أخرى" عن دار أكت سود.

 في روايته الفائزة يطرح الكاتب أسئلة جوهرية أكثر عمقاً عبر تداخلات واقعية ونفسية بالغة الحساسية، ظاهرها يتناول علاقة حب بين شاب جامعي شغوف بالأدب يدعى فاضل، مع سيدة تكبره سناً هي "حياة"، لكن ضمناً يقدم الكاتب تساؤلاته عن مفهوم الحرية ككل، سواء في الجسد أو الأفكار، أو ما نتخيله عن مفهوم الحرية سواء في ما يتعلق بنا أو بالآخرين، بخاصة وأن المؤلف كتب هذا النص وهو في السجن. من هنا تكمن خصوصية هذه التجربة. يقول، "أثناء المشي في فناء زنزانتي لساعات قمت ببناء عالم مدام "حياة". أنا مغرم بها وأردت أن يحب الآخرون مدام "حياة" بقدر ما أحبها"، وقد أهدى ألتان روايته إلى "جميع النساء التركيات والكرديات المسجونات ظلماً لأسباب سياسية" كما يقول.

تتغير حياة فاضل بعد موت والده إثر إفلاسه، ويصير على الشاب المرفه الانتقال من حياة الثراء إلى حياة البؤس، في واقع يختلف عن حياته السابقة. وبسبب حاجته إلى العمل يتعرف فاضل إلى مدام "حياة" في استوديو تلفزيوني حيث يعمل كلاهما. هي في الـ 50 من عمرها وهو في الـ 20 ولا يوجد شيء مشترك بينهما. هي لا تحب الأدب والقراءة وتفضل مشاهدة الأفلام الوثائقية، كما أنها ذات شخصية حرة ومستقلة ولديها نزعة وجودية ساخرة تجعلها لا تخاف من عيش اللحظة، وتحب الاستمتاع بشكل كامل، كما تفضل دوماً أن تكون ممسكة بزمام الأمور.

وفي الوقت الذي يلتقي فاضل مع مدام "حياة" يتعرف أيضاً إلى زميلته في الدراسة (سيلا) التي يشترك معها في أمور عدة أهمها "حب الأدب"، ويرى مع سيلا مستقبلاً مختلفاً لكنه بين ذراعي مدام "حياة" ينسى كل شيء حتى دروسه. يقول، "كانت أكثر شخص استثنائي التقيت به، وأكثر شخص رائع عرفته في حياتي". وعلى الرغم من هذا الهيام نجده في بعض المقاطع يسخر من عدم قدرتها على الاهتمام بالأدب والاستمتاع بالقراءة.

يأخذ المؤلف القراء في دوامة من الحسية والشغف واكتشاف الحياة والحب في علاقته مع مدام "حياة" التي يلتقي بها مساء في الاستديو وفي شقتها، أما سيلا فيراها في الجامعة نهاراً فيجلسان ويتحاوران، وترافقه أحياناً إلى غرفته المتواضعة.

تبدو حياة البطل مزدوجة ومنشطرة بين امرأتين وعلاقتين، إحداهما جسدية والأخرى فكرية ومعنوية، وفي الوقت نفسه هو يحبهما معاً ولا يمكنه التخلي عن أي منهما، وهنا تكمن المعاناة النفسية للبطل إلى جانب معاناته الواقعية الأخرى.

لم يحدد الراوي جغرافياً المدينة التي تدور فيها الأحداث بشكل صريح، يذكر فقط منطقة البوسفور، لذا يمكن استنتاج صعوبات الحياة في تركيا، وكيف يفقد جزء كبير من السكان وظائفهم وآمالهم ومستقبلهم، ويتعرضون إلى العنف المتزايد والقمع العشوائي بلا أسباب حقيقية، فالبلاد تغرق في الظلام والرعب، وتسيطر حال من عدم الثقة والخوف من الإدانة والسجن، وسوف يكون على البطل اتخاذ أهم قرار في حياته، المغادرة أو البقاء. يقول، "لا نعرف كثيراً عن معنى الوجود في عائلات سعيدة ، لكني أعلم الآن أن من سوء الحظ أن الحياة تعلمنا هذا لاحقاً".

يبدو الأدب بالنسبة إلى البطل فاضل أكثر واقعية وإثارة من الحياة نفسها، إذ يجد نفسه بعد موت والده في أتون الواقع المرير والقاسي الذي يفرض عليه أن يسارع في تدبر أمره وإلا سيجد نفسه في الشارع. لا يمكن أن نغفل هذا التفصيل في ارتباط البطل نفسياً بمدام "حياة"، فالاحتياج المضني إلى الإحساس بالأمان يأخذه إليها طواعية على الرغم من أنها هي التي تنصب شباكها حوله، إلا أن علاقته بها تمثل له سعادة كبرى في لحظات حياته الضبابية والمحملة بكثير من الخيبات.  بعد موت والده يحصل فاضل على منحة دراسية، ويستأجر غرفة في مبنى قديم تسكنه جماعة من الأفراد العاطلين من العمل، أو فقراء يعانون غلاء الأسعار، وأيضاً جماعة من الملتحين ومن يقومون ببعض الأعمال الخارجة عن القانون، لذا يكون المبنى عرضة لمداهمات البوليس بشكل دائم.

يسرد البطل مواقف عدة للدلالة على عنف المواجهات، فأحد المستأجرين يتعرض للضرب حتى الموت، أما "الشاعر" الذي يقوم بمراجعات أدبية ويعرض على فاضل المشاركة، فيلقي بنفسه من المبنى هرباً من الشرطة. يحكي أيضاً عن اعتقال والد سيلا لأربعة أيام، وعن مواقف أخرى للكشف عن معاناة الطبقة الفقيرة في المجتمع التركي. يقول، "إن ثقل ما رأيته وتعلمته وجربته جعلني أشعر بالإرهاق مثل رجل عجوز. لم أستطع تصور أفعال الرجال أو صمت المجتمع ولم يعد بإمكاني فهم البشر، لذلك كنت أذهب إلى المكتبة لقراءة الروايات، ولكن بمجرد إغلاق الرواية أعود إلى عالم زائف بلا مخرج".

يكتشف البطل الفقر الغضب والخوف في الوقت الذي يمضي فيه مع قصتي حبه المتناقضتين، مع مدام حياة ومع سيلا، ويتشارك فاضل مع سيلا في واقع "الفقراء الجدد" الذي أصبح مصير العديد من المواطنين الذين تصادر السلطات ممتلكاتهم في حال لم يتم اعتقالهم. سيلا مثله فتاة جامعية بسيطة تعيش مع أسرتها، ولها طموحات معنوية في أن تستمر علاقتها مع فاضل، لكن الواقع حولهما مهتز ويحكم علاقتهما بشكل غامض. من خلال إعطاء الحياة لمدام "حياة"، المرأة الحرة المتوهجة التي تدرك سخافة العالم وسطحيته، ولهذه الطالبة سيلا الشابة المحبطة المولعة بالرسائل، يذكرنا أحمد ألتان إلى أي مدى يعتبر الأدب وسيلة للمقاومة والاستمرار في الحلم، بغض النظر عن مصدر التعسف.

لا يعطي أحمد ألتان مساحة في السرد لأي من البطلتين، ويكتفي بالحديث عنهما وعن طبيعة علاقته بهما، وربما ستبدو الرواية أكثر تميزاً عن غيرها من الأعمال الابداعية التي تناولت علاقة شاب صغير بامرأة تكبره سناً، لو أعطى صوتاً للسيدة "حياة"، كي نرى الأمور من وجهة نظرها، لكنه اكتفى بصوتها عبر الحوارات الممتدة بينهما. أما سيلا فنجد في جانب كبير من رؤيتها الحياتية تقاطعاً مع فاضل بسبب ظروفهما المتشابهة نوعاً ما، وأيضاً بسبب معاناتهما المشتركة من أحوال البلد وما يشعران به من إحباط واقتناع بضرورة المغادرة.

لنقرأ ما يقول، "هل كنت سأفعل ذلك في الأيام التي كنا فيها أغنياء؟ هل كنت سأتجول في شوارع مثل هذه بمفردي، أحلم بلقاء امرأة لم أرها إلا مرة واحدة في حياتي؟ لقد سلب مني الفقر كثيراً في وقت قصير جداً، أكثر من مجرد أموال خسرتها. بدوت مثل سلحفاة صغيرة بعد نزع قوقعتها، ضعيفة، مشوشة، محرومة من كل الحماية".

 أحمد ألتان من مواليد العام 1950، وهو اليوم واحد من أكثر الكتاب تألقاً في تركيا. نشر ست روايات ويكتب القصة والمقالة، وإضافة إلى كونه روائياً وكاتباً فقد كان رئيس تحرير إحدى الصحف اليومية حتى 15 يوليو (تموز) 2016، حين تم اعتقاله في موجة الاعتقالات التي تلت الانقلاب بيوم واحد، وهو متهم بالدعوة إلى قلب النظام، وحكم عليه بالسجن المؤبد، لكن أفرج عنه في 14 أبريل (نيسان) 2021.