فاروق يوسف
لكي لا يُقال في المستقبل كذبا أن هناك حربا وقعت بين السعودية واليمن يجب أن يُهزم الحوثيون في حربهم السابعة. فتلك طريقة سيئة في قراءة التاريخ لا ينبغي أن تحل محل حقيقة أن الجماعة الحوثية قد وجدت أخيرا في ولائها لإيران وسيلة للتفوق على القوى اليمنية الأخرى بما فيها الحكومة الشرعية.
في سنوات صراعها مع الحكومة خاضت الجماعة الحوثية ستة حروب خسرتها غير أنها حين انقلبت على الشرعية بطريقة ماكرة ومخادعة لعب فيها الرئيس السابق علي عبدالله صالح دورا كبيرا نجحت في أن تثأر لخساراتها السابقة وهو ما مكنها من قتل الرئيس السابق بعد الاستيلاء على العاصمة صنعاء.
ولو أن الرئيس صالح تصرف بمسؤولية لما انزلق اليمن إلى حرب أهلية، صارت إيران تلعب دورا رئيسا فيها بحيث يمكن القول أن الحرب في اليمن هي حرب إيرانية تشن على السعودية.
لا تُخفي إيران موقفها السلبي من إمكانية قيام اليمنيين بحل مشكلاتهم فيما بينهم وعلى اساس اتفاقات وقعت سابقا، ضمن فيها كل طرف حقوقه. فعن طريق الاعلاء من شأن النزعة الطائفية نجحت إي إيران في اضفاء صبغة طائفية على الصراع وهو ما استجاب له الحوثي حين صار يتصرف كما لو أنه حسن نصرالله ثان.
وإذا ما كانت إيران في أوقات سابقة تفتعل مشكلات مع السعودية كما هو الحال في مشكلة الحج وضعت نفسها في مواجهة عسكرية مباشرة مع السعودية عن طريق ذيولها في اليمن. تلك حقيقة يحاول المبعوثون الأمميون القفز عليها في مساعيهم الفاشلة التي تنطلق من توهم أن الصراع لا يزال محليا.
وكما هو واضح فإن الحوثيين في حربهم السابعة انطلقوا منذ البدء من حقيقة ولائهم لإيران وأن حربهم الجديدة ستكون مغطاة إيرانيا. بمعنى أن علاقتهم بإيران بدأت قبل الانقلاب على الشرعية، بل أن تلك العلاقة هي التي مهدت الطريق نحو الانقلاب.
فلو لم تكن هناك إيران لأعتبر الحوثيون المكاسب التي حصلوا عليها بموجب الاتفاقات مع الحكومة ولما تخلوا عنها. لولا إيران ما فكروا باحتلال العاصمة صنعاء والتمدد لاحتلال اليمن كله، شمالا وجنوبا. ذلك لأن قوتهم الذاتية لا تسمح لهم بذلك.
لم يقع انقلابهم على الشرعية إلا بعد تخابر مع إيران، صدرت بموجبه الأوامر لهم من الحرس الثوري الإيراني بأن يقدموا على القيام بمغامرتهم التي ستكون جزء من إستراتيجية إيران في المنطقة. وفعلا قام ضباط كبار في الحرس الثوري بالتصريح فخرا بأن نفوذهم وصل إلى البحر الأحمر وهم هنا لا يتحدثون مجازا عن العقيدة، بل يقصدون الهيمنة الفعلية.
اما لو قيل إن السعودية وهي تقود التحالف العربي المناصر للشرعية تقاتل هي الأخرى في اليمن في محاولة لبناء معادلة مضللة، فإن الأمور بالنسبة للرياض هي غيرها بالنسبة لطهران. فالسعودية حين استجابت لطلب الحكومة الشرعية فإنها في الوقت نفسه انما تدافع عن أمنها المباشر. اليمن هو جزء من جغرافية المملكة، ما يحدث فيه يؤثر بشكل مباشر على المملكة. حدود مشتركة وتاريخ مشترك وعلاقات دم. المملكة هي غطاء اليمن الذي هو عمقه. ما من إمكانية للحديث عن يمن من غير أن تكون المملكة حاضرة في صلبه. لا يتعلق الأمر بالسياسة، بل بالمصير.
اما إيران فإنها لا تملك في اليمن سوى هامش عقائدي ملفق. لعبة سياسية كان الغرض منها توفير الحماية للحوثيين في مغامرتهم الانقلابية وفي الوقت نفسه فإنها تفتح أمام إيران مجالا حيويا تتحدى من خلاله العالم في حرب مفتوحة، متعددة الجبهات لا يُراد لها أن تنتهي. فالحوثيون من حيث العقيدة لا علاقة لهم بشيعة إيران ولا يؤمنون بولاية الفقيه. ولو لم تجد إيران في اليمن ما يشكل تهديدا للسعودية لما وقع ذلك الزواج القسري بين الزيدية اليمنية والإثني عشرية الإيرانية.
لغويا تغلب على ذلك الزواج صفة المثلية. ذلك على سبيل المزاح. ولكن ذلك سيُسقط تأثيره على الواقع. فالحوثيون صغروا أم كبروا يظلون ذيولا. وهو ما يعني أن إيران هي الطرف الذي يجب أن يتم التفاوض معه في شأن الصراع في اليمن.
ما لم تكن تعترف به إيران ستعترف به حين تحل لحظة الحقيقة. فالحرب في اليمن هي حربها التي تشنها على السعودية. وما لم يخسر الحوثيون تلك الحرب فإنهم سيكونون الطرف الذي يتفاوض بالوكالة عن إيران.