Skip to main content

"حزب الله" ومثلث التسوية الذهبي المتمذهب

ميليشيات حزب الله اللبناني
AvaToday caption
هو بمثابة الدولة والسلطة وهم الميليشيات والخارجون عليها. وفي هذا اعتبارٌ يصر على تظهيره، أي أنه فوق القوى السياسية الداخلية
posted onJuly 9, 2019
nocomment

سام منسى

يصعب على مراقب الحدث اللبناني تجاهل تصريح عضو «حزب الله» ووزير الدولة لشؤون مجلس النواب، محمود قماطي، عقب مواجهة قبرشمون في جبل لبنان بين مرافقي صالح الغريب، وزير شؤون المهجرين وعضو الحزب الديمقراطي الذي يترأسه النائب طلال أرسلان، ومناصري الحزب التقدمي الاشتراكي بزعامة وليد جنبلاط.

هذه المواجهة أسفرت عن مقتل مرافقين اثنين للوزير الغريب وسقوط جرحى من الطرفين.

وقعت هذه الحادثة على خلفية تصريحات أدلى بها وزير الخارجية جبران باسيل خلال زيارته للمنطقة، اعتبرها مناصرو جنبلاط من أهل الجبل مستفزة.

اتهم أرسلان الحزب التقدمي الاشتراكي بمحاولة اغتيال وزيره، كما لمّح باسيل إلى أنه قد يكون هو المستهدف.

اهتمام هذه الأسطر ينصب على التصريح الذي أدلى به قماطي إثر لقائه أرسلان في دارته بعد الحادثة، فوصف ما جرى بالخطير جداً وقال إن «الأعمال الميليشياوية تشكل خرقاً للتوافق اللبناني».

مشدداً على أن «ما يهمنا هو المحافظة على الاستقرار وتوقيف الجناة لصد الفتنة» وأن الجبل «أمانة في عروقنا».

وأكد أن «عصر الميليشيات قد ولى» وأن «حزب الله» «لا يقبل بأن تكون أي منطقة في البلاد مغلقة أمام أي لبناني»، مذكراً «بحرية التعبير والرأي» التي يضمنها الدستور اللبناني!!.

دون شك، الظاهر من هذا التصريح أنه دعوة للتهدئة ورفض للعودة إلى الحرب الأهلية وإلى زمن الميليشيات، إلا أن تحليل باطنه يحمل ثلاثة أبعاد يكمّل بعضها بعضاً.

البعد الأول هو أن «حزب الله» لا يستطيع إلا التضامن مع حليفه أرسلان لما يربطهما من علاقات تمتد من دعم المقاومة محلياً إلى دعم محور المقاومة والممانعة إقليمياً، وذلك تحت مظلة علاقة وطيدة تربط أرسلان بالنظام السوري بعامة وبرأس هرمه بشار الأسد بخاصة.

إلا أن رفع «حزب الله» لسقف الكلام عبر قماطي لا يفسر فقط بروابطه المتينة بأرسلان، بل برغبته واضطراره إلى ضبط الأمور ومنع تفلتها واحتواء الخلاف بين أبناء الطائفة الواحدة في منطقة حساسة جداً وخاضعة لتجاذب حاد بين الحزب التقدمي الاشتراكي وأطراف آخرين كأرسلان ووئام ووهاب وغيرهم من المحسوبين حلفاء للنظام السوري في لبنان.

والهدف الأول من وراء ذلك الحؤول دون أي تهديد للحكومة الحالية واستمرار نهج «التسوية» الذي أفضى إلى ولادتها كما أفضى إلى ولادة قانون الانتخابات قبلها.

والذي وظفه الحزب لصالح غلبته وانتخاب حليفه ميشال عون رئيساً للجمهورية.

إن الأوضاع السائدة إقليمياً ودولياً بدءا من الحرب السورية والحراك الإسرائيلي على هذه الجبهة إلى شظايا الحرب في اليمن التي تطال المملكة السعودية يوميا وصعدت التوتر في منطقة الخليج العربي بينها وبين إيران، وصولاً إلى مخاطر اندلاع حرب بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والولايات المتحدة، لن تترك «حزب الله» بعيداً عنها انخراطاً أو تداعيات.

هذا الوضع القائم يجعل من الحكومة اللبنانية بتركيبتها الحالية بوليصة تأمين يُمسك بها «حزب الله» ولن يسمح لأي تطورات أو إشكالات محلية مهما بلغ شأنها، بأن تهددها وتعرضها للسقوط.

وهذا ما يفسر موقف «حزب الله» غير المتحمس من إحالة مجلس الوزراء لحادثة قبرشمون إلى المجلس العدلي (وهو محكمة استثنائية وسلطة قضائية لا تنقض أحكامها أو تستأنف) وهو أمر يصر عليه أرسلان والغريب.

وفي السياق نفسه، تجدر الإشارة إلى أن الحزب بات متضايقاً من متاهات السياسة الداخلية للأطراف اللبنانية الحليفة وغير الحليفة، في وقت يعتبر أن همومه وتطلعاته باتت تتجاوز الشأن الداخلي إلى قضايا الإقليم الكبرى والخطيرة.

البعد الثاني لنبرة «حزب الله» العالية هو رغبته التي لم تعد دفينة بلي ذراع الزعيم الدرزي وليد جنبلاط والذي بدأت مواقفه مؤخراً تبتعد عن السياسة التي اعتمدها منذ أحداث 7 أيار 2008، حين اجتاحت قمصان «حزب الله» السوداء العاصمة والجبل، فاختار فصل نفسه وحزبه وطائفته عن حركة 14 آذار والاقتراب وإن بحذر من قوى 8 آذار.

هذه المواقف التي تشمل من بين ما تشمل عدم لبنانية مزارع شبعا في تحد لما يعتبره «حزب الله» نقطة حساسة وحاسمة في خطابه وسلوكه وشرعيته كمقاومة، والموقف المناهض للرئيس السوري بشار الأسد ونظامه، بحيث لم يتوقف جنبلاط يوماً عن الإشهار به.

يعتبر «حزب الله» هذه المواقف صدى لتحرك خارجي لا بد منه، وهو المتوجس دوماً، من أن يحذر منه.

لن يعارض «حزب الله» أي محاولة لإضعاف وليد جنبلاط في إطار التوازنات الداخلية ما بقي على مواقفه هذه، لكنه يتردد بكسره؛ أقله في هذه الظروف، إدراكاً منه لأثر ذلك على الاستقرار الأمني وهو الضنين على المحافظة عليه في هذه المرحلة الدقيقة إقليمياً ودولياً.

البعد الثالث هو الأهم لكونه الأكثر تعبيراً عما يدور في تفكير «حزب الله» وما يحدد نهجه وسلوكه. يوحي مضمون تصريح قماطي بشكل لا جدل فيه أن الحزب يعتبر الأطراف كافة في لبنان ميليشيات من زمن الحرب التي لم تغب شمسها بعد ولم تذبل ذاكرتها ولا أحقادها، وسلاحها سلاح ميليشيات وتصرفاتها تصرفات ميليشياوية، ويضع نفسه خارج هذه المعادلة: هو بمثابة الدولة والسلطة وهم الميليشيات والخارجون عليها. وفي هذا اعتبارٌ يصر على تظهيره، أي أنه فوق القوى السياسية الداخلية.

وأنه بات الضابط المحلي الذي تعود إليه مهمة حسم الخلافات بين الأطراف حتى المنتمين إلى طائفة واحدة أخرى، مجاهراً بما يسمح به وما لا يسمح به، واعتبار سلاحه خارج إطار السلاح الميليشياوي ويقع في مرتبة لا توازي مرتبة سلاح الجيش اللبناني بل تعلو عليها والمقاومة هي الكلمة السحرية التي تسمح له بارتقاء هذه المرتبة والتربع عليها.

واقع يريد «حزب الله» من الجميع ابتلاعه وهو بفائض السلاح وبالتالي القوة. يسيطر بالتقسيط وبالتدرج وإلى حد ما بنعومة ودهاء على مفاصل الدولة.

تصريح قماطي يحاكي إلى حد كبير خطابات أمين الحزب السيد حسن نصر الله منذ دخوله مستنقع الحرب السورية إلى جانب النظام، والتي خلع فيها ثوب المقاومة وألقى بتقيته المعتادة جانباً ليجاهر: «أنا ولي الأمر، الآمر الناهي في كل صغيرة وكبيرة».

آخر الكلام، «حزب الله» يتمسك بالتركيبة المثلثة الطائفية والمذهبية الحالية للحكم في لبنان، هو على رأسها ممسك بطرفيها عبر تحالف الرئيس سعد الحريري ورئيس تيار المستقبل وزير الخارجية جبران باسيل، وهو يسمح باللعب بأعصابهما واستنفار صبرهما ولي أذرعهما، لكن لن يسمح بسقوطهما إلا حين تدق ساعته بين الضاحية وطهران.