Skip to main content

انسحاب أميركا من سوريا يهدد الكورد

قوات الولايات المتحدة
AvaToday caption
بعد سقوط "خلافة" داعش، كانت المهمة الأميركية في سوريا بلا هدف، الأمر الذي ينبغي أن يثير تساؤلات مهمة للغاية حول سبب مطالبة الجنود الأميركيين، حتى يومنا هذا، بمراقبة الطائرات بدون طيار والصواريخ والقوافل الروسية
posted onNovember 1, 2021
nocomment

تعددت أهداف الولايات المتحدة منذ لحظة تدخلها عسكريا في سورية عام 2014 ما بين دعمها للمعارضة وقوات سورية الديمقراطية خلال الحرب الأهلية التي تشهدها البلاد إلى محاربة تنظيم داعش، حتى أنها استهدفت كذلك مواقع عسكرية تتبع الحكومة السورية، وبات التساؤل المطروح حاليا هو: هل وجود الولايات المتحدة هناك يخدم مصالحها؟

ويقول الباحث والمحلل الأميركي مايكل هول في تقرير نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأميركية إنه عندما انسحبت الولايات المتحدة من أفغانستان، قوبلت هذه اللحظة بمزيج من الترحيب والشجب باعتبارها نقطة تحول من شأنها أن تبشر بسلسلة من الانسحابات العسكرية الأميركية في الوقت الذي تعيد فيه واشنطن توجيه استراتيجيتها الكبرى.

وأشار إلى أنه من المؤكد أن تصريحات الرئيس الأميركي جو بايدن حول إنهاء حقبة من "الحرب التي لا هوادة فيها" قد دعت إلى هذا التفسير. ولكن بعد شهرين من مغادرة آخر جندي أميركي كابول، تقدم الإدارة الأميركية الآن ضمانات بأنه لن يكون هناك انسحاب أميركي من سورية، حيث يشارك الأميركيون في "حرب لا هوادة فيها" أخرى.

ويرى هول أن هذه الوعود بالبقاء في سورية تمثل خطأ استراتيجيا والتزاما بمهمة غير مستدامة ليس لها هدف نهائي محدد بوضوح يمكن تحقيقه.

ويقول إن الدفاع عن الكورد يبدو أحد العوامل الرئيسية على الأقل وراء قرار الإدارة الأميركية بتمديد نشر ما يقرب من 900 جندي أميركي متمركزين في سوريا. وفي سبتمبر، تم إرسال الجنرال فرانك ماكنزي، رئيس القيادة المركزية الأميركية التي تشرف على العمليات العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط، في زيارة غير معلنة للاجتماع مع مظلوم عبدي، قائد قوات سورية الديمقراطية.

وكان الغرض من زيارة ماكنزي طمأنة الزعيم الكوردي بأن قواته يمكن أن تعتمد على الدعم الأميركي المستمر. وبعد هذا الاجتماع بقليل، التقت إلهام أحمد، المسؤولة الكوردية التي تشغل منصب رئيس اللجنة التنفيذية لمجلس سورية الديمقراطي، بمسؤولين في الإدارة الأميركية في واشنطن وعلقت في وقت لاحق بالقول: "قالوا إنهم سيبقون في سوريا ولن ينسحبوا".

ويقول هول إنه بدلا من استخدام القوات الأميركية كحامي للكورد سورية، سيكون من الحكمة أكثر إنهاء التدخل العسكري الأميركي في سوريا. وعلى خلفية الحرب الأهلية التي لا يمكن تسويتها والتهديدات بتجدد الهجوم التركي ردا على هجمات الميليشيات الكوردية، فإن الكورد ليسوا في موقف يحسدون عليه. وصحيح أن المقاتلين الكورد قاتلوا إلى جانب القوات الأميركية في حرمان داعش من أي أرض استخدمها ذلك التنظيم في وقت من الأوقات للمطالبة بالشرعية، لكن اتخاذ الولايات المتحدة إجراءات حركية للدفاع عن الكورد ضد تركيا، العضو بحلف شمال الأطلسي (ناتو) التي تستضيف أسلحة نووية أميركية، أمر غير وارد.

ويوضح هول أنه على الرغم من أننا يمكن أن نكون ممتنين للمساعدة الكوردية ضد داعش، يجدر بنا أن نعترف بأنه في حين أن المصالح تتواءم في بعض الأحيان، إلا أنها تتباعد أيضا، وليس هناك سبب للاعتقاد بأن الكورد، أو أي من غير الأميركيين، يحق لهم الحصول على الحماية الدائمة التي يوفرها الجيش الأميركي.

ويرى هول أن المهمة المناهضة لداعش هي في الواقع تمثل تناقضا كبيرا مع المهمة الحالية في سوريا. وكان حرمان ذلك التنظيم من الأراضي التي يمكنه العمل منها، هو مهمة محدودة وقابلة للتحقيق، وكانت القوة العسكرية الأداة المناسبة لها. ومع ذلك، تتطلب حماية أكراد سوريا إمدادات مستمرة من الموارد والقوى البشرية ولا تطرح شروطا للانتصار يمكن الوفاء بها بما يبرر انسحاب الولايات المتحدة.

وليس من المفاجئ أنه بعد سقوط "خلافة" داعش، كانت المهمة الأميركية في سوريا بلا هدف، الأمر الذي ينبغي أن يثير تساؤلات مهمة للغاية حول سبب مطالبة الجنود الأميركيين، حتى يومنا هذا، بمراقبة الطائرات بدون طيار والصواريخ والقوافل الروسية في حين يتظاهر المسؤولون في واشنطن بأن نتيجة الحرب الأهلية في سوريا يمكن أن تضعف أمن الولايات المتحدة.

ويقول هول إن سوريا بصراحة ليست جائزة تطمع بها الولايات المتحدة. ولم تعد فلول داعش المتناثرة هي التهديد الذي شكلته في ذروة تنظيمها ، وهذا التنظيم لديه الكثير من الأعداء الموجودين في المنطقة ، بما في ذلك إيران وروسيا والحكومة السورية. وفي الوقت نفسه، تميل دفة الحرب الأهلية، منذ بعض الوقت، لصالح الرئيس السوري بشار الأسد، ويعترف جيران سوريا بذلك بشكل متزايد، مع تسارع وتيرة الجهود الرامية إلى تطبيع العلاقات في الآونة الأخيرة.

أما بالنسبة للكورد، فإن إعلان الولايات المتحدة عن "الانسحاب" من سوريا في عام 2019 دفع الكورد إلى عقد اتفاق سريع مع الحكومة السورية من شأنه أن يوفر لهم الحماية في مواجهة تركيا، ويقول الباحث إن ما يمكننا تعلمه من هذا هو أن الكورد يهتمون بشكل مفهوم بالبقاء على قيد الحياة والحصول على الحماية أكثر من اهتمامهم بمن يقدم تلك الحماية. ومن الممكن أن تشجع الولايات المتحدة القادة الكورد على اتخاذ ترتيبات للحماية دون توقع أن تبقى القوات الأميركية إلى الأبد. وفي حال سعى الكورد مرة أخرى إلى التوصل إلى اتفاق مع دمشق، فإن دعم روسيا للحكومة السورية يوفر رادعا قويا يمنع تركيا من اتخاذ تدابير مفرطة ضد كورد سورية.

وتكشف نظرة عامة خاطفة عن علاقة الولايات المتحدة مع الكورد عن تاريخ من التخلي من جانب الولايات المتحدة. ومن المؤسف أن الوعود الأميركية الأخيرة للكورد يمكن أن تسهم في هذا النمط. وكما اضطرت الولايات المتحدة في نهاية المطاف إلى الاعتراف بأن الانتشار إلى أجل غير مسمى في أفغانستان أمر غير مستدام، سيصبح من الأصعب إنكار أن الشيء نفسه يمكن أن يقال عن سورية.

ويختتم هول تقريره بالقول إن الحقيقة الرصينة هي أن الإبقاء حتى على نشر رمزي للقوات الأميركية في سوريا يعرض حياة الأميركيين للخطر، وينذر بجر الولايات المتحدة إلى صراعات ينبغي على القادة العقلانيين السعي إلى تجنبها. والخيار الأفضل هو الانسحاب من سورية، مع الاعتراف بأنه عندما تختلف المهمة عن المصالح الأمنية المشروعة، يحين وقت التراجع.