تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

النظام الإيراني والخوف من التغيير

أحمد جنتي
AvaToday caption
سعي النظام للإبقاء على مواقع القرار على ما هي عليه دون تعديل، خصوصاً بعد أن استقرت الأمور في السنوات الأخيرة نتيجة سيطرته التامة والشاملة على مراكز القرار في السلطات التنفيذية والتشريعية
posted onJuly 28, 2022
noتعليق

حسن فحص

أصدر المرشد الأعلى للنظام الإيراني قراراً بإعادة تكليف أحمد جنتي برئاسة مجلس صيانة الدستور لدورة جديدة من ست سنوات.

وحسب التوصيف الدستوري لآلية تشكيل هذا المجلس والمهام الموكلة إليه، فهو مجلس يُعين جميع أعضائه الاثني عشر من قبل المرشد الأعلى، والأعضاء موزعون مناصفة بين المؤسسة الدينية، إذ يتولى المرشد اختيار 6 مباشرة من بين رجال الدين "المجتهدين"، و6 أعضاء من القانونيين، من بين 12 مرشحاً يقدمهم رئيس السلطة القضائية المعين بدوره من قبل المرشد، وينتخب البرلمان 6 منهم، ونواب البرلمان بدورهم يجب أن يحصلوا على موافقة مجلس صيانة الدستور وتأييده. وتنص المادة 92 من الدستور بأن يتم تغيير 6 أعضاء عن طريق القرعة، مناصفة بين رجال الدين والقانونيين كل 3 سنوات من تاريخ اختيارهم لعضوية هذا المجلس.

ويعد المجلس أحد أركان السلطة التشريعية في النظام الإيراني إلى جانب البرلمان، حيث يتولى مهمة تفسير الدستور والرقابة على الانتخابات، والموافقة على أهلية المرشحين وصلاحيتهم لانتخابات مجلس خبراء القيادة ورئاسة الجمهورية والبرلمان، إضافة إلى دوره في مطابقة القوانين التي يقرها البرلمان مع المعايير الإسلامية والدستور. وقد بُذلت جهود في السنوات الأخيرة لتوسيع صلاحياته من خلال السعي لنقل مسؤولية تأييد المرشحين للانتخابات البلدية إلى هذا المجلس، ما يجعله مشرفاً على جميع المؤسسات التي تتشكل عن طريق الانتخابات والاقتراع المباشر.

أعيد اختيار وتكليف جنتي المولود بتاريخ 23 فبراير (شباط) 1927، للمرة السادسة على التوالي على الرغم من بلوغه سن الـ95، حيث عين للمرة الأولى رئيساً لهذا المجلس عام 1992، بعد أن شغل عضويته منذ تأسيسه عام 1980، بالتالي فإن من المتوقع أن يبقى جنتي في هذا الموقع حتى عام 2028، ويكون حينها قد بلغ من العمر مئة سنة وسنة، هذا القرار يطرح كثيراً من الأسئلة حول هذا الخيار والاختيار، وحجم التحديات التي تواجهها منظومة السلطة ومدى القلق الذي يسيطر عليها من التطورات التي قد تحدث في السنوات المقبلة وقد تكون مفصلية، وتشكل تحدياً وجودياً للمنظومة ومصالحها واستمرار سلطتها.

إذ تطرح عودة جنتي إلى موقع رئاسة مجلس صيانة الدستور وطبيعة السلطات والمهام التي يتولاها إشكالية تطاول قدرة النظام والمنظومة الدينية الحاكمة على إنتاج طبقة جديدة من رجال الدين، تكون منسجمة مع توجهاته وسياساته وقراءته الدينية للسلطة والحكم.

ومن ناحية أخرى، فإن قرار الإبقاء والاحتفاظ بجنتي في هذا الموقع، وعلى الرغم من بلوغه سنين متقدمة من العمر، وإمكانية وفاته في أي لحظة نظراً إلى هذا الأمر، يكشف عن عدم رغبة النظام وقيادته في إحداث تغيير في المواقع المفتاحية والمقررة في هرمية النظام، خوفاً من وصول أو تعيين أشخاص غير قادرين على تنفيذ مهامهم بالشكل الذي ينسجم مع إرادة النظام والمنظومة الحاكمة، وقد يخلقون عراقيل نتيجة عدم إلمامهم بالتفاصيل التي تحكم عمل السلطة وتوجهاتها السياسية المرحلية والاستراتيجية.

سعي النظام للإبقاء على مواقع القرار على ما هي عليه دون تعديل، خصوصاً بعد أن استقرت الأمور في السنوات الأخيرة نتيجة سيطرته التامة والشاملة على مراكز القرار في السلطات التنفيذية والتشريعية وجميع الإدارات في مؤسسات الدولة، يكشف حجم الخوف من حصول مفاجآت قد تفتح الباب أمام خسارته لبعض من سيطرته أو تشكل عاملاً في تراخي قبضته، حتى ولو نسبياً.

فأكثر ما يريده ويطمح له النظام بكل مراكز القوى الفاعلة في السلطة هو الحفاظ على استقرار الوضع القائم في تركيبة السلطة، بخاصة أن الجميع بات يفكر في المرحلة التالية لليوم الذي يخرج فيه المرشد الأعلى للنظام من المشهد السياسي والسلطة، عندما يفتح النقاش والبحث عن اسم الشخصية المرشحة لخلافته، بخاصة أن جنتي ونتيجة لشخصيته المتشددة التي تذهب إلى أقصى التطرف، والدفاع عن نظام الحكم الإسلامي وعدم إيمانه بالآليات الديمقراطية التي قامت عليها الثورة، وصولاً إلى عدم قبوله بالعملية الانتخابية أساساً، وانسجاماً مع المدرسة الفكرية التي كان قريباً منها، التي تزعمها رجل الدين محمد تقي مصباح يزدي، فضلاً عن التزامه المطلق بمشروع النظام السلطوي، لذا كان الأقدر على تمرير سياسات هذا النظام، وتحمل عبء المسؤولية الأخلاقية والدينية والسياسية والاجتماعية في اتخاذ قرارات استبعد بموجبها شخصيات مؤسسة للنظام والثورة وأخرجها من دائرة القرار وحاصر دورها في الحياة السياسية، كما فعل مع الرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني، إذ رفض أهليته للمشاركة في الانتخابات الرئاسية، وكذلك فعل مع حسن الخميني حفيد المؤسس الذي حرمه من الترشح لانتخابات مجلس خبراء القيادة.

وعلى الرغم من الحساسية التي قد تنتج عن قرار مرشد النظام بين رجال الدين الموالين والمؤيدين له، إلا أن المنظومة الحاكم تعتقد أنها قادرة على تحمل تبعات مثل هذا القرار، حتى لا تكون في مواجهة طموحات جديدة، بخاصة أن جنتي وفي هذا السن المتقدمة والأدوار التي أداها في إطار السلطة والمنظومة الحاكمة لا يشكل مصدر تهديد أو منافساً في المرحلة التالية، بل سيكون قادراً وعاملاً مساعداً على تمرير رأي وموقف مؤسسة النظام في ترتيب السلطة وتركيبها وقيادة نظام ما بعد المرشد.