تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

المرشد عندما يعطي إشارة الحسم

المرشد الأعلى
AvaToday caption
أخطر ما حمله خطاب المرشد الأعلى للنظام هو إعطاء الضوء الأخضر للسلطة القضائية بالتعامل الحازم مع المعترضين، تاركاً لها حرية التحقق والتمييز بين المضللين وبين الذين تحركوا ضمن أجندات خارجية تستهدف النظام واستقراره
posted onOctober 6, 2022
noتعليق

حسن فحص

لا شك في أن خروج المرشد الأعلى للنظام الإيراني في احتفال تخريج ضباط جدد بالقوات الأمنية وإن كان مبرمجاً من قبل، يحمل دلالات تتجاوز الاحتفالية نفسها التي يحرص أن يكون مشرفاً عليها باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة، وفي هذا السياق يمكن التوقف عند بعض الدلالات الأساسية.

الأولى، المشهدية التي رافقت دخول المرشد والاستعراض الذي قام به للوحدات المشاركة في الاحتفالية وما أظهره من قدرة على السير الطويل من دون الاتكاء على العصا التي يحملها، فضلاً عن الطريقة التي صعد بها إلى المنصة والوقت الطويل الذي استغرقه في الخطاب الذي ألقاه وقوفاً، مما اضطر المشرفين على أمنه إلى استبدال المرافق الخاص الذي يقف خلفه لأكثر من مرة، إلى جانب الإعياء الذي ظهر على وجوه القيادات العسكرية التي كانت إلى جانبه على المنصة.

وهي مشهدية أراد منها المرشد توجيه رسالة إلى كل المراهنين على حاله الصحية حتى وصلت الأمور إلى الحديث عن وفاته، أنه ما زال يتمتع بكامل صحته وقدرته على التحكم بالأمور وهو ما ظهر جلياً من خلال الإشارات التي تضمنها خطاب تطرق إلى عدد من التفاصيل اليومية في الشارع جراء موجة الاعتراضات والتظاهرات الشعبية التي تعم المدن والمحافظات الإيرانية.

الثانية، حاول المرشد التمييز والفصل بين مستويين من الحراك وحركة الاعتراض التي تشهدها إيران عندما تحدث عن مطالب "مقبولة" ومطالب "غير مقبولة" وحاول إخراج قضية مقتل الفتاة الكوردية مهسا أميني من دائرة الأسباب المحركة لموجة الاعتراضات، معتبراً أن مسألة الحجاب المنقسمة بين "الالتزام التام" و"عدم الالتزام التام أو الحجاب السيئ" لها سياقاتها التي تساعد على معالجتها. في المقابل أدخل الحراك الذي توسع ليشمل كل إيران من جنوب شرقي البلاد في محافظة سيستان وبلوشستان إلى الشمال الغربي ومحافظات الانتشار الكوردي في أذربيجان الغربية وسنندج وكرمانشاه في إطار "المؤامرة" التي تستهدف وجود النظام الإسلامي، مصوباً على جماعة مجاهدي خلق والحركات الانفصالية و"بقايا الملكية" بحسب وصفه، واتهامهم بركوب حال الاعتراض واستغلالها لتمرير وتنفيذ أجندات أميركية وإسرائيلية ورغبات دول المنطقة.

الثالثة، وجه المرشد لوماً مبطناً وغير مباشر إلى كبار قيادات النظام والأجهزة على خلفية بعض المواقف التي صدرت عنهم بعد حادثة مقتل أميني والتي كان فيها كثير من الليونة و"عدم الحزم"، بخاصة تلك التي تشتم منها رائحة اتهام للنظام ومؤسساته بالعجز والتقصير في فهم المتغيرات وحاجات الأجيال الجديدة التي ابتعدت من مفاهيم وتعاليم الثورة والنظام الإسلامي، بالتالي فإن الخطاب من المفترض أن يعيد تصليب الموقف والتوجه داخل أروقة النظام وقياداته وأن يؤسس لمرحلة جديدة من التعامل والتعاطي مع هذه الشرائح بما يعيد تعزيز مركزية النظام في التحكم بالمفاهيم والأدوات الثقافية لإيران التي لن تخرج عما عمل على تأسيسه في العقود الماضية.

ولعل أخطر ما حمله خطاب المرشد الأعلى للنظام هو إعطاء الضوء الأخضر للسلطة القضائية بالتعامل الحازم مع المعترضين، تاركاً لها حرية التحقق والتمييز بين المضللين وبين الذين تحركوا ضمن أجندات خارجية تستهدف النظام واستقراره، أي من المفترض أن تشهد عملية ملاحقة المتظاهرين تصاعداً غير مسبوق وتعاملاً بحزم وقسوة معهم، وهي عملية ربما يكون من الصعب فيها التمييز والتفريق بين المضلل وغير المضلل.

ولعلها المرة الأولى الذي يكون فيها المرشد الاعلى أمام حقائق المجتمع الإيراني وما يدور في داخله من تغييرات، إذ يمكن القول إن الحراك الشعبي هذه المرة أوصل صوته إلى مراكز القرار بشكل جدي وبنسبة عالية من الخطورة، وظهر ذلك في حديثه عن دور وتأثير بعض شرائح المجتمع من فنانين ورياضيين ومثقفين وناشطين في الجيل الجديد من الشباب، بخاصة بعد أن أعلنت هذه الشرائح موقفها من حادثة مقتل أميني ووقوفها إلى جانب المطالب التي رفعتها التحركات الشبابية المعترضة على سياسات النظام الثقافية والدينية، لذلك يمكن القول إن كلام المرشد يعد بمثابة اعتراف منه بوجود انقسام داخل المجتمع الإيراني وهذه المرة على خلفية ثقافية واجتماعية وليس نتيجة لأحداث ووقائع ذات طابع سياسي أو اقتصادي كما حصل في الانتفاضات السابقة وأن هذا الانقسام يشكل تهديداً حقيقياً للنظام ومنظومته السلطوية والدينية.

هذه المحطات أو المؤشرات والتداعيات الخطرة التي ربما تحملها وتؤسس لها وتأثيراتها المحتملة والممكنة في مستقبل النظام هي التي دفعت المرشد الأعلى إلى الخروج عن صمته والدخول على خط الأزمة قبل اتضاح معالم قدرة النظام وأجهزته على التصدي لها والسيطرة عليها، إذ من المعروف أن المرشد لا يتدخل في أي تطورات خلال مراحلها الأولى، بل يترك الأمور تأخذ سياقها المرسوم داخل دوائر القرار وتحت إشرافه بانتظار اللحظة المناسبة مع اقتراب الانتهاء من عمليات التفكيك والتصدي لأي تحرك، ليقول كلمته الحاسمة التي تشكل آخر حلقة من حلقات المرحلة، وهذا ما كرسته آليات تعامله مع أزمة انتخابات عام 2009 وأزمة 2019 وحتى المفاوضات النووية.

دخول المرشد على خط الأزمة التي يواجهها النظام مبكراً وقبل أن تستطيع الأجهزة حسم الموقف لمصلحة النظام وتخصيص أكثر من 15 دقيقة من خطابه للأحداث التي تشهدها إيران قد يحملان مؤشراً إلى حجم التحدي الذي يشعر به النظام وقيادته، بالتالي لا بد من توفير غطاء علني لعملية استعادة السيطرة وعدم الاعتناء بمواقف المجتمع الدولي الذي اتهمه بالمراوغة في التعامل مع "أعمال الشغب" التي تشهدها دول عدة، وإن ما وصفه من تدخل أميركي وغير أميركي في مجريات الأحداث التي تشهدها إيران لن يشكل عائقاً أمام قرار النظام باستعادة السيطرة وفرض الهدوء.