تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الانتخابات اللبنانية تشهد مخالفات مبكرة

ميشال عون
AvaToday caption
يغيب عن الانتخابات تيار "المستقبل" بزعامة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري الذي أعلن مقاطعته الاستحقاق، بعدما احتل الواجهة السياسية لسنوات طويلة إثر مقتل والده رفيق الحريري في 2005
posted onMay 15, 2022
noتعليق

تشهد الانتخابات البرلمانية في لبنان إقبالاً منخفضاً قبل ساعتين من إقفال صناديق الاقتراع في استحقاق يُرجّح أن يُبقي الكفة مرجحة لصالح القوى السياسية التقليدية التي يُحمّلها كثر مسؤولية الانهيار الاقتصادي المستمر في البلاد منذ أكثر من عامين.

وأعلنت وزارة الداخلية أن نسبة الاقتراع بلغت 32 في المئة حتى الساعة الخامسة مساء (14,00 ت غ) أي قبل ساعتين من إغلاق الصناديق، التي فتحت أمام أكثر من 3,9 ملايين ناخب يحق لهم الاقتراع.

ورغم سلسلة الأزمات التي تعصف بالبلاد منذ أكثر من عامين، يرى محللون في المحطة الانتخابية فرصة للطبقة السياسية لإعادة إنتاج ذاتها، بسبب تجذّر السلطة والنظام السياسي القائم على المحاصصة وتحكّم النخب الطائفية بمقدرات البلاد وحالة الإحباط العام في البلاد.

بعد ساعات قليلة من انطلاق الانتخابات النيابية في لبنان، الأحد 15 مايو (أيار)، لاحظت هيئة الإشراف على الانتخابات "حصول مخالفات بالمئات ناتجة من خرق الصمت الانتخابي من مختلف وسائل الإعلام والمرشحين والجهات السياسية".

وأشارت الهيئة، وفق ما نقلت عنها "الوكالة الوطنية للإعلام"، إلى أنها "تعكف على درس التقارير عن هذه المخالفات واتخاذ الإجراءات الفورية بشأنها، منها الإحالة على المراجع القضائية المختصة".

وأكدت "الاستمرار بمواكبة العملية الانتخابية حتى إقفال صناديق الاقتراع، لذا تطلب من وسائل الإعلام والمرشحين والجهات السياسية، الالتزام الفوري بالصمت الانتخابي، وفقاً للأحكام المنصوص عليها في قانون الانتخاب".

وفي السياق ذاته، أوردت "الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات- لادي"، عبر حسابها على "تويتر"، سلسلة أخطاء نذكر منها: عنصر أمني يتدخل في عملية الاقتراع في مزرعة سجد في الهرمل. وطرد مندوبو إحدى اللوائح مندوبي أحد الأحزاب خارج مركز الاقتراع في الكنيسة في البقاع على أثر خلاف. وسحب مراقبي "لادي" من الرمادية ومزرعة التوت بعد تعرضهم للتهديد من مندوبين تابعين لعناصر حزبية، وناشدت "لادي" وزارة الداخلية التدخل لتسهيل عمل المراقبين والمراقبات وضمان سلامتهم وسلامة الجميع. وفوضى كبيرة في بعض أقلام الاقتراع في المتن وتسليم أوراق اقتراع من دون إزالة الرقم التسلسلي.

كذلك سجلت "لادي" "خرقاً متواصلاً للصمت الانتخابي من مرشحين وسياسيين من بينهم رئيس الجمهورية.

وشهدت الساعات الأولى من اليوم الانتخابي توترات عدة في غير منطقة، لا سيما في البقاع الشمالي والجنوب. وانتشرت على وسائل التواصل أشرطة فيديو لاعتداءات على مناصري "القوات اللبنانية" في دائرة صيدا- جزين، وأُرفقت تلك التسجيلات بعبارات تشير إلى أن مناصري "حزب الله" و"حركة أمل" هم المعتدون، في حين لم يصدر أي تعليق من الطرفين أو من الجهات الأمنية المسؤولة. كذلك، انتشر شريط فيديو لتوقيف شخص قيل إنه صرخ ببعض العبارات ضد رئيس الجمهورية أثناء إدلائه بصوته في الضاحية الجنوبية لبيروت.

واعتبر رئيس الجمهورية ميشال عون، بعد الإدلاء بصوته في حارة حريك، أن "الاقتراع واجب والمواطن لا يمكنه أن يكون محايداً في قضية مهمة في اختيار نظام الحكم".

وقال رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، بعد الإدلاء بصوته في طرابلس، إن "الدولة بكل أجهزتها مستنفرة لإنجاز هذا الاستحقاق الديمقراطي... ونسبة الاقتراع الصباحية جيدة"، مؤكداً أهمية توفير الكهرباء في أقلام الاقتراع خلال الليل.

وعلى الرغم من بعض المشاكل وتعطل العملية في عدد من مراكز الاقتراع، قال ميقاتي، إن "العملية تتم بشكل جيد حتى الآن".

وأكد وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي، عقب إدلائه بصوته، "ملاحقة الراشين والمرتشين وقيام الأجهزة الأمنية بدورها، وحتى الساعة الوضع مقبول والإشكالات الإدارية قليلة ومحدودة". وعن انقطاع الكهرباء أشار إلى أن "العمل متواصل لمعالجته، وسيكون التيار متوفراً عند الفرز".

وأعلن حزب "القوات اللبنانية" "تعرض محمود عواد المرشح في دائرة جبيل- كسروان على لائحة "معكم فينا للآخر" والمتحالف مع القوات لاعتداء جسدي في بلدة الصوانة في جبيل، وتم تكسير سيارته والاعتداء على المندوبين أمام المركز.

أضافت الدائرة الإعلامية للقوات أن "مجموعة تابعة لحزب الله اعتدت على مندوبي لائحة "معكم فينا للآخر" في قلم مزرعة السياد في جبيل، حيث قاموا بإخراج مندوبي اللائحة ومنعهم من الدخول إلى القلم".

وفي سياق الخروقات، تابع بيان "القوات اللبنانية"، "تم الاعتداء على مندوبي لائحة بناء الدولة في بلدة قصرنبا في بعلبك- الهرمل وتم إخراجهم بالقوة من القلم.

وأسفت "القوات" للانتهاكات المتواصلة التي تستهدف العملية الانتخابية وتهدِّد حرية الناخبين في الدوائر التي لقوى الأمر الواقع الخارجة عن الشرعية نفوذ داخلها"، وطالبت "الأجهزة المعنية بالتحرك لإعادة الأمور إلى نصابها وتوقيف الفاعلين والمرتكبين".

وقد بدأ اللبنانيون، من الساعة السابعة من صباح الأحد التوجه إلى صناديق الاقتراع لاختيار ممثليهم في البرلمان، في ظل مخاوف أمنية ووسط إجراءات استثنائية للقوى العسكرية والأمنية ومعاناة العديد من مراكز الاقتراع انقطاع التيار الكهربائي.

وفي حين ما زالت موازين القوى لمصلحة القوى السياسية التقليدية، التي يُحملها كثر مسؤولية الأزمات السياسية والاقتصادية، تشكل الانتخابات اختباراً لمجموعات معارضة ووجوه شابة أفرزتها الاحتجاجات الشعبية في أكتوبر (تشرين الأول) 2019، طالبت برحيل الطبقة السياسية.

وتُنظم الانتخابات وفق قانون أقر عام 2017 يستند إلى النظام النسبي واللوائح المقفلة. ويقول محللون إنه مفصل على قياس الأحزاب النافذة. وعلى الرغم من غياب الموارد المالية وضعف الخبرة السياسية، تراهن أحزاب ومجموعات معارضة على تحقيق خروق في عدد من الدوائر.

ويغيب عن الانتخابات تيار "المستقبل" بزعامة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري الذي أعلن مقاطعته الاستحقاق، بعدما احتل الواجهة السياسية لسنوات طويلة إثر مقتل والده رفيق الحريري في 2005.

وتجري الانتخابات على وقع انهيار اقتصادي صنفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ 1850. وبات أكثر من 80 في المئة من السكان تحت خط الفقر وخسرت الليرة اللبنانية أكثر من 90 في المئة من قيمتها أمام الدولار، ولامس معدل البطالة نحو 30 في المئة.

وتأتي بعد نحو عامين على انفجار الرابع من أغسطس (آب) 2020، الذي دمر جزءاً كبيراً من بيروت وأودى بأكثر من مئتي شخص وتسبب بإصابة أكثر من 6500 آخرين. ونتج الانفجار، وفق تقارير أمنية وإعلامية، عن الإهمال وتخزين كميات ضخمة من مواد خطرة تدور تحقيقات حول مصدرها، من دون أي إجراءات وقاية.

ويقول الباحث في "سانتشوري فوندايشن"، سام هيلر، في تقرير نشره في مؤسسة "سنتشوري" للأبحاث "من المفارقة أن الانتخابات الوطنية الأولى منذ بدء الأزمة لن تُحدث على الأرجح فارقاً كبيراً".

ويضيف، "من غير المحتمل أن تؤدي إلى تغيير جوهري في تكوين البرلمان أو في كيفية صنع السياسة في لبنان".

وفي حين تبدو الانتخابات فرصة جديدة أمام الطبقة السياسية لإعادة إنتاج ذاتها والحصول على دعم دولي، يعرب هيلر عن اعتقاده أن "الانهيار الاقتصادي المستمر في لبنان هو المحرك الرئيس للتغيير في البلاد، وأن الآثار السياسية والاجتماعية والأمنية الأخرى ناجمة غالباً عن تلك الأزمة".

ويستدرك، "يُرجح أن تستمر هذه الأزمة بلا هوادة، وأن تعيد تشكيل المجتمع والسياسة في البلاد مع تقدمها".

أسهمت الأزمات والتدهور المعيشي في إحباط فئات واسعة من اللبنانيين الذين هاجر آلاف منهم خلال السنتين الماضيتين، لا سيما منهم الشباب. ويبدو عدد كبير من الناخبين، وفق استطلاعات الرأي، غير آبه بالاستحقاق الانتخابي ونتائجه. لكن آخرين يتطلّعون إلى تحقيق تغيير وإن كان محدوداً لصالح مجموعات معارضة.

وتقول ماريانا فودوليان (32 عاماً)، وهي من المتحدثين باسم عائلات ضحايا المرفأ، لوكالة الصحافة الفرنسية، "نحن ضد المنظومة التي حكمتنا منذ ثلاثين عاماً وسرقتنا وفجّرَتنا".

وتضيف، "الانتخابات فرصة لتغيير المنظومة ومحاسبتها لنتمكن من العيش في هذا البلد".

لكن، على الرغم من النقمة التي زادها عرقلة المسؤولين للتحقيق في انفجار المرفأ، بعد الادعاء على نواب بينهم مرشحان حاليان، لم تفقد الأحزاب التقليدية التي تستفيد من تركيبة طائفية ونظام محاصصة متجذر، قواعدها الشعبية التي جيشتها خلال الأسابيع التي سبقت الاستحقاق.

وتنتشر منذ أسابيع صور مرشحين ولوحات إعلانية ضخمة وإن كان بتفاوت بين الأحزاب وبنسبة أقل من الانتخابات السابقة. وفتحت وسائل الإعلام التي تعاني منذ سنوات شحاً في الإعلانات والموارد المالية، برامجها للمرشحين مقابل مبالغ مالية ضخمة بلغت 25 ألف دولار، وفق ما أعلن مرشحون.

ويضم البرلمان 128 نائباً. والأرجحية في المجلس المنتهية ولايته هي لـ"حزب الله" وحلفائه وأبرزهم "التيار الوطني الحر" الذي يتزعمه رئيس الجمهورية ميشال عون و"حركة أمل" برئاسة رئيس البرلمان نبيه بري الذي يشغل منصبه منذ 1992.

ويخوض عدد كبير من المرشحين الانتخابات تحت شعارات "سيادية" منددة بـ"حزب الله" الذي يأخذون عليه انقياده وراء إيران وتحكمه بالبلاد نتيجة امتلاكه ترسانة عسكرية ضخمة. ويطالبون بحصر السلاح بيد الجيش اللبناني. وبين المرشحين المعارضين من يحمل الشعارات نفسها.

ويتوقع محللون أن يحتفظ "حزب الله" و"حركة أمل" بغالبية المقاعد المخصصة للطائفة الشيعية (27 مقعداً) إن لم يكن كلها، لكن لا يستبعدون أن يخسر حليفه المسيحي الأبرز، أي "التيار الوطني الحر"، عدداً من مقاعده بعدما حاز على 21 مقعداً عام 2018.

وتحتدم المنافسة على الساحة المسيحية بين الخصمين التقليديين حزب "القوات اللبنانية" بزعامة سمير جعجع، و"التيار الوطني الحر".

ويتنافس 718 مرشحاً بينهم 157 امرأة، مقارنة بـ597 مرشحاً بينهم 86 امرأة في انتخابات 2018. ويتوزع هؤلاء على 48 لائحة انتخابية.

والأسبوع الماضي، أدلى 63 في المئة من المغتربين المسجّلين الذين يُعول المستقلون عليهم، بأصواتهم.

وقد فتحت مراكز الاقتراع أبوابها عند السابعة صباحاً (04.00 ت غ) أمام أكثر من 3.9 مليون ناخب يحق لهم الاقتراع، أكثر من نصفهم نساء، على أن تُغلق عند السابعة مساء (18.00 ت غ)، ليبدأ بعدها الفرز في المراكز. ويُرجح إعلان النتائج النهائية في اليوم التالي.

وبعد ساعتين من انطلاق العملية، وزعت وزارة الداخلية نسب الاقتراع.