تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

التغلغل الإيراني في سوريا.. جسور من ورق

الميليشيات الإيرانية في سوريا
AvaToday caption
لم يكن الناس يعلمون مثلا أن نزار قباني ينحدر من أسرة شيعية إلى أن جاء الإيرانيون وحاولوا تحويل بيته إلى حسينية بدل المتحف الذي أراده الدمشقيون
posted onJanuary 23, 2022
noتعليق

حكيم مرزوقي

ماذا تفعل إيران في سوريا؟ لا تجانس اجتماعيا ولا ثقافيا ولا عقائديا.. ولا حتى هو تقارب تاريخي أو جغرافي، فهل اخترع النظام السوري كذبة التقارب الإيراني - السوري وصدقها أم أنّ مجرد إبرام الاتفاقيات العسكرية والأمنية بين نظامين شموليين كفيل بمحو كل الفوارق بين شعبين متباعدين في كل شيء؟

وإذا كان الأمر كذلك، وقبلنا بمقولة “الشعوب على دين ملوكها”، لماذا لم يندمج الشعبان الألماني والإيطالي مثلا على إثر التحالف النازي الفاشي في الحرب العالمية الثانية وهما أقرب إلى بعض، حتى في وحدة المصير السياسي والاقتصادي داخل الفضاء الأوروبي من هذا “التقارب القسري” بين الشعبين السوري والإيراني؟

كل الحقائق على الأرض السورية تؤكد أن إيران ذهبت بعيدا في الداخل السوري إلى درجة الاستيطان بعد التهجير كما حدث في محافظة دير الزور وقرى عديدة شرق الفرات. ويضاف إلى ذلك منح الجنسيات لرعاياها ضمن تفخيخ ديمغرافي ممنهج وسريع لم تقدم عليه حتى إسرائيل في الأراضي الفلسطينية.

التشيع كان البوابة الرئيسية للتغلغل الإيراني وقد غطت وحاولت التمويه عليه اتفاقيات ومذكرات تفاهم عديدة في المجالات التربوية والثقافية والتعاون العلمي كما تقول العناوين البارزة في الإعلام الرسمي.

وتسعى إيران لاستقطاب عناصر موالية لها طائفيا واقتصاديا وتمكينهم من امتيازات في جميع المحافظات السورية منذ بداية دخولها مستغلة في ذلك سوء الأوضاع المعيشية. كما أنشأت الحسينيات وأدخلت الفارسية في عدة مدارس مما يذكر بالبعثات التبشيرية التي ساندها الاستعمار الأوروبي في بلدان أفريقيا بدايات القرن الماضي.

وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن النشاط الإيراني ليس بالجديد، ذلك أن المحاولات الإيرانية لنشر مراكز التشيع عن طريق سفاراتها كان منذ الثمانينات، فالعلاقة المميزة بين نظام الأب والابن مع إيران دفع سوريا إلى أن تكون أبرز محطات النشاط الإيراني خلال السنوات الأخيرة.

يحدث كل هذا في بلد كان يمثل فيه الشيعة من السكان الأصليين أقلية صغيرة جدا تندمج إلى حد التماهي مع المحيط السني حتى لا يكاد المرء يميزهم في شيء، على غرار شارع الأمين في دمشق، لكن التغلغل الإيراني بدأ يثير النعرات الطائفية ويوقظ الفتنة.

لم يكن الناس يعلمون مثلا أن نزار قباني ينحدر من أسرة شيعية إلى أن جاء الإيرانيون وحاولوا تحويل بيته إلى حسينية بدل المتحف الذي أراده الدمشقيون.. والأمثلة كثيرة في بلد لا يهتم أهله لمثل هذه التفرقة بحكم مناخات التعايش والانفتاح والتركيبة المدينية الضاربة في القدم.

أثناء الثمانينات والتسعينات كان مشهد صفوف الإيرانيين والإيرانيات بعمائمهم وعباءاتهم السوداء يبدو مميزا في الأسواق وهم يزورون مقام السيدة زينب والست رقية، يسكنون فنادق خاصة بهم، ترافقهم عناصر من الشرطة السرية الإيرانية، ويتحاشون التعاطي مع الدمشقيين الذين لا يتقن التجار منهم إلا بعض المفردات التسويقية من اللغة الفارسية.

اليوم أصبح الأمر مستباحا إلى درجة إقامة اللطميات وطقوس عاشوراء في ساحة الجامع الأموي الذي حملت جدرانه صور القادة الخمينيين واعتلاه العلم الإيراني في استدعاء صريح لرمزية تاريخية ضاربة في الحقد الشعوبي.

المركز الثقافي الإيراني الواقع بالقرب من ساحة المرجة الشعبية لم يكن يزوره أحد سوى موظفيه، ولا يمر السوريون من أمامه إلا لارتياد ملهى عمر الخيام أو المركز الثقافي الفرنسي الذي يقع على خطى منه.

اليوم تريد إيران تغيير المشهد، لكن مزاج السوريين ليس على نفس الموجة، فلا شيء يربطهم بهذا الجسم الغريب سوى رغبة القيادة السياسية التي سلمت حكام طهران جميع المفاتيح إلى درجة أنهم صاروا يتدخلون في خصوصيات السكان وطريقتهم في اللباس كما حدث مع الفريق النسائي لكرة اليد السورية، مما أثار موجة من الغضب والاستياء على مواقع التواصل الاجتماعي.

التذمر من النفوذ الإيراني في سوريا لم يعد خافيا على أحد، وطال صفوف الضباط والعسكريين الذين باتوا يتلقون الأوامر بلكنة إيرانية، ومع ذلك تصر المستشارة الخاصة للرئاسة السورية لونا الشبل على أن الوجود العسكري الإيراني في سوريا يقتصر على ضباط إيرانيين مع الجيش السوري، وليست هناك تشكيلات أو وحدات إيرانية.

وأضافت الشبل في نوع يتأرجح بين الإقرار والمكابرة بأن “وجود قوات من عدمه، ومهما كان نوعها أو شكلها أو جنسيتها، هو قرار سيادي لا يتدخل فيه أحد، ولا يحق لأحد أن يملي فيه”، وأن “سوريا هي التي تقرر ما الموجود على أراضيها ومن تريد أن يكون موجوداً على أراضيها، ومن لا تريد”.

ولأن إيران تشعر أنها جسم غريب على النسيج الاجتماعي والثقافي في سوريا، فإنها دائمة الحيطة والتوجس من أي تطبيع عربي مع سوريا، فلم تكد تمر أيام على زيارة وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد إلى العاصمة السورية دمشق في شهر نوفمبر الماضي، حتى طفت على السطح محاولات إيرانية لإفساد أي تقارب عربي مع النظام السوري الساعي لاستعادة مقعده في الجامعة العربية.

الحقيقة التي يعلمها الإيرانيون قبل غيرهم، أن كل ما حاولت أن تبنيه طهران من جسور مع دمشق، تبقى واهية وكرتونية أمام رفض شعبي واسع لكابوس التدخل الإيراني الذي برهنت عليه الانتفاضات القائمة ضدها في لبنان والعراق.

وفي هذا الصدد، يؤكد الباحث في الشأن الإيراني في مركز إيرام سنتر للدراسات محمد عبدالمجيد أن أي تغيير جدي في بنية النظام قد يطيح بهذه الشبكة الإيرانية في سوريا، لأنها شبكة مصالح ومنتفعين، مثبتا أنه ليس لإيران قاعدة شعبية في المنطقة، حتى بين الشيعة العرب أنفسهم، فما بالك بمتشيعين جدد في سوريا؟

زد على كل هذا أن الشعب الإيراني نفسه غير مقتنع بهذه الأحجية التي يسردها عليه نظامه حول خرافة الهيمنة الإيرانية لمحاربة قوى الظلم والفساد.. أما كان عليه أن يحارب الظلم في داره؟