Ana içeriğe atla

تناقض الخطاب والسلوك الأميركي وتزايد التعنت الإيراني

محادثات النووية
AvaToday caption
هذه المعطيات تعزز تعنّت هذه الأخيرة لإدراكها أن الشرق الأوسط لم يعُد أولوية بالنسبة إلى الإدارة الأميركية، التي بالتالي لن تستخدم الضغط على طهران
posted onOctober 15, 2021
noyorum

هدى رؤوف

أضحت العلاقة طردية بين ما يمكن تسميته الاستجداء الأميركي والتعنت الإيراني، فكلما ازدادت تنازلات إدارة الرئيس جو بايدن كلما زاد التعنت الإيراني في الوصول إلى تفاهمات بشأن الاتفاق النووي، فمزيد من إطالة أمد التوصل إلى اتفاق نهائي يغيّر الحقائق على الأرض، وهو ما تسعى إيران إليه.

بالنظر إلى أولويات الولايات المتحدة من حيث مصادر التهديد والمصالح، لم يعُد الشرق الأوسط إحدى هذه الأولويات، وهو ما تعيه إيران، إذ اختُزل الشرق الأوسط في مجال هدف إتمام الاتفاق النووي مرة أخرى. ينعكس ذلك في تناقض الخطاب الأميركي مع السلوك الفعلي، ففي حين صرّح وزير الخارجية أنتوني بلينكن في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيريه من إسرائيل والإمارات العربية المتحدة، أن الولايات المتحدة مستعدة لمتابعة "خيارات أخرى" إذا لم تستأنف طهران الامتثال للاتفاق النووي، كما حذر من أن "الوقت ينفد" بالنسبة إلى إيران للعودة إلى الاتفاقية التي حدّت من أنشطتها النووية، لكن على مستوى السلوك الفعلي، شطبت وزارة الخزانة الأميركية الكيانات التي تتخذ من إيران مقراً لها والتي فرضت عليها إدارة ترمب عقوبات لتورطها في برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني، إذ أخضعت الإدارة الأميركية السابقة، مجموعة ماموت الصناعية وماموت ديزل في سبتمبر (أيلول) 2020 لقيود، متهمةً إياهما بأنهما تنتجان وتوردان سلعاً ذات استخدام مزدوج من الدرجة العسكرية لبرامج الصواريخ الإيرانية.

ويأتي رفع هذين الكيانين من قائمة العقوبات في الوقت الذي تظل المفاوضات بشأن الاتفاق النووي معلقة بعد أشهر من المحادثات غير المباشرة بين طهران وواشنطن التي فشلت في إحياء الاتفاق. وفي الأسابيع الأخيرة، أشار المسؤولون الإيرانيون إلى أنهم مستعدون لاستئناف المفاوضات، لكنهم لم يحددوا بعد موعداً للجولة السابعة منها.

الواقع الذي تغيّره طهران وتفرض حقائق جديدة له، يرتبط بالاستفادة من تخلّي ترمب عام 2018 عن "خطة العمل الشاملة المشتركة" (JCPOA) التي تم التوصل إليها، فبدأت بشكل مطّرد بانتهاك الاتفاقية، التي فرضت قيوداً على نقاء مخزون إيران من اليورانيوم المخصّب وكميته مقابل تخفيف العقوبات. أي أن إتمام إحياء الاتفاق النووي بات مرتبطاً بالوصول إلى نقطة لن تكون فيها العودة إلى الامتثال لـ"خطة العمل الشاملة المشتركة" بحدّ ذاتها ذات أهمية، وذلك لأن إيران كانت تستخدم هذا الوقت لتعزيز برنامجها النووي بطرق عدة.

ويستمر التناقض بين الخطاب والسلوك الأميركي، فيؤكد بلينكن أن الإدارة الأميركية ستنظر في كل خيار للتعامل مع التحدي الذي تمثله طهران.

واشنطن لا تريد استخدام أوراق ضغط وقطع الطريق على إيران، عوضاً عن ذلك ما زالت تستخدم الجزرة بدلاً من التهديد باستعمال العصا. هذه المعطيات تعزز تعنّت هذه الأخيرة لإدراكها أن الشرق الأوسط لم يعُد أولوية بالنسبة إلى الإدارة الأميركية، التي بالتالي لن تستخدم الضغط على طهران، فهي منشغلة بمواجهة الصعود الصيني وتشكيل تحالفات لمواجهة تغيّر توزان القوى في منطقة الإندو-باسيفيك.

ربما تعتمد الإدارة الأميركية على تعامل تل أبيب بمواجهة إيران، فما زال الجانب الإسرائيلي يلحّ على الفريق الأميركي لممارسة مزيد من الضغط على طهران من خلال فرض عقوبات إضافية، وإرسال تحذير من احتمال وجود خيار عسكري على الطاولة إذا استمرت في استفزازاتها النووية.

وينبع التخوف الأميركي من أن مثل هذه الخطوات ربما تولّد رد فعل إيراني، على اعتبار أن محاولات التخريب التي ألحقت أضراراً بمنشأة طرد مركزي في إيران، ونسبتها طهران إلى إسرائيل، دفعت النظام إلى تصعيد برنامجه ووفرت ذريعة لتقييد وصول مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى المنشآت.

تماطل إيران لأنها لا تريد أن تبدو كمتلهفة وحريصة على الاتفاق، وفي الوقت ذاته تغيّر حقائق وضع نشاطها النووي، وربما تصل إلى مرحلة لا تُفرض فيها أي قيود على برنامجها النووي، لذا ربما من الأفضل الاستعداد للتعامل مع هذا السيناريو.

وهو ما يجب على دول المنطقة، لا سيما الخليجية منها الاستعداد لمواجهته، ذلك أن فشل الضغط الأميركي على إيران لا يتعلق فقط بالاتفاق النووي، بل بالمقاربة الأميركية والضغط على قوة إقليمية لديها مشروع غير مقبول لدى جيرانها. ومن ثم تزداد التداعيات السلبية على استقرار وأمن المنطقة، سواء لجهة فشل مقاربة واشنطن للضغط على إيران، أو لترك الشرق الأوسط ساحة حرب بالوكالة بين طهران وتل أبيب، ومن ثم محاولة الأولى استعراض قوتها في الخليج العربي وداخل بعض الدول العربية.