Skip to main content

الانتخابات الأميركية وجدل التقارب والعداء مع إيران

العالم يتقرب نتائج الأنتخابات الأميركية
AvaToday caption
هناك أطرافاً دولية وإقليمية لا تخفي موقفها ورغبتها في عدم عودة طهران وواشنطن إلى طاولة المفاوضات في إطار الشروط والشروط المقابلة التي يضعها الطرفان
posted onNovember 5, 2020
nocomment

حسن فحص

المفارقة تقارب أن تكون شبيهة بالكوميديا السوداء في جدلية العلاقة بين الولايات المتحدة والنظام الإيراني بعد أربعة عقود من العلاقة المتوترة بينهما، وكل ما تخللها من صدامات ومواجهات ونزاعات لا تخلو من لحظات حوار وتفاوض مشروط من دون أفق واضح، أو إمكان الاستمرار والانتقال إلى مستو جديد ينهي حال التوتر تلك.

وزاد التأخير الحاصل في إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية من تعقيد حال الانتظار التي يعيشها المجتمع الإيراني بكل مستوياته السياسية والعسكرية والشعبية والاقتصادية والاجتماعية، لمعرفة الساكن الجديد للبيت الأبيض، ما يكشف أن مواقف النظام والحكومة في طهران معلقة في ما يخص مستقبل الأزمة القائمة مع الإدارة الأميركية، على خلفية قرارها الانسحاب من الاتفاق النووي وحزم العقوبات الاقتصادية التي أعاد فرضها الرئيس دونالد ترمب، والشروط التي وضعها على أية عملية تفاوض مستقبلية، كي لا تقتصر على إعادة البحث في الملف النووي، بل تتسع لتشمل البرنامج الصاورخي لإيران ونفوذها الإقليمي، وهي حال تسير بعكس المواقف التي أطلقها المرشد الأعلى للنظام، بالتزامن مع انطلاق عملية الاقتراع المباشر في الولايات المتحدة، وأكد فيها أن "الموقف الإيراني من السياسة الأميركية لا يرتبط بالرئيس الذي يأتي أو يذهب، وأي رئيس ينتخب في أميركا لا يحدث تغييراً في السياسة والمواقف الإيرانية".

هذه المواقف والعملية الانتخابية اقترنتا بالذكرى الـ 41 لاحتلال السفارة الأميركية في الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني) 1979. يومها كانت أنظار نحو 30 مليون إيراني، وهو التعداد التقريبي لسكان إيران في حينه، تتجه نحو شارع طالقاني "تخت جمشيد" لمعرفة التطورات التي يرسمها مجموعة من "الشباب الثوري" الذين اقتحموا السفارة، بعد أن قبضوا على مصير العلاقة بين النظام الجديد والولايات المتحدة، وبالتالي قدرتهم في التأثير على مسار الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 1980، والمساهمة في إسقاط الرئيس جيمي كارتر ومنح المرشح الجمهوري رونالد ريغان ورقة الفوز.

وبعد 41 سنة على هذه الحادثة، تتجه اليوم أنظار نحو 82 مليون إيراني نحو الولايات المتحدة بانتظار نتائج الانتخابات بين المرشحين الجمهوري دونالد ترمب والديمقراطي جو بايدن، وكيف سيرسم الناخب الأميركي ليس فقط مستقبل بلاده، بل أيضاً مستقبل إيران وشعبها، وغيرها من دول وشعوب العالم.

رغبة المحافظين

ولا يخفي التيار المحافظ الإيراني رغبته بعودة ترمب إلى البيت الأبيض، "فهو الأفضل" بالنسبة إلى إيران، بحسب تعبير اللواء مرتضى طلائي المحافظ المقرّب من رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف. وينطلق المحافظون في موقفهم هذا من العداء الواضح الذي يعلنه ترمب تجاه إيران، وأن القيادة الإيرانية باتت تدرك آلية التفكير التي تحكم هذا الرئيس وفريقه، ما يوفر لطهران إمكان تنفيذ سياساتها.

هذا الموقف الذي يمكن أن يكون معبراً عن قراءة يتبناها التيار الإيراني المحافظ، لم يغب عن قراءة وزير الخارجية محمد جواد ظريف الذي أعرب عن أمله في إمكان حصول تغيير في سلوك ترمب بحال عاد إلى البيت الأبيض في ولاية جديدة.

معالم المرحلة المقبلة

وفي سياق استعداد قوى النظام والمعسكر المحافظ للامساك بالسلطة التنفيذية ورئاسة الجمهورية التي تشكل الواجهة الرسمية لأية عملية تفاوض مع المجتمع الدولي، والولايات المتحدة على وجه التحديد، بدأت قيادة النظام الإيراني برسم معالم وحدود المرحلة المقبلة التي سيكون فيها موضوع التفاوض مع واشنطن أمراً لا مفر منه، وذلك من خلال التأكيد على رفض أية عملية تفاوض جديدة حول الملف النووي، لا مع ترمب ولا مع بايدن بحال فوزه، مبدية استعدادها للتفاعل والتعاون حول كل المواضيع في حال قررت الإدارة الأميركية العودة إلى الاتفاق النووي، والتخلي عن حزم العقوبات التي فرضتها، والتي تتعارض مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم (2231) الذي يشكل مظلة دولية للاتفاق النووي.

جهات داخلية

لا شك في أن هناك أطرافاً دولية وإقليمية لا تخفي موقفها ورغبتها في عدم عودة طهران وواشنطن إلى طاولة المفاوضات في إطار الشروط والشروط المقابلة التي يضعها الطرفان، وهذا الموقف معروف الأسباب ويصدر عن رفض ما تقوم به طهران من أعمال خارج حدودها، تؤثر سلباً في استقرار الإقليم، إلا أن هناك جهات داخلية إيرانية أيضاً لا تريد لهذه المفاوضات أن تحصل، أو على الأقل ألا تحصل في ظل وجود الحكومة الحالية برئاسة حسن روحاني وفريقه الذي يتمسك بإمكان التوصل إلى حل وسط بين الطرفين، من أجل العودة إلى طاولة المفاوضات. وتعتقد هذه الجهات أن "صمود" القيادة الإيرانية أفشل أهداف أطراف في إدارة ترمب تعمل للقضاء على النظام الإيراني، ولم يستطع ترمب أن يجبر إيران على الرضوخ لشروطه، وبرز ذلك في كلام المرشد الذي اعترف ضمناً بتأثير العقوبات الاقتصادية في الوضع الإيراني، إلا أنه أكد في المقابل أن الجزء الأساس من الأزمات الاقتصادية يعود لأسباب داخلية، وسوء الإدارة في معالجتها.

لا شك في أن الجدل داخل النظام الإيراني ومراكز القرار فيه، يدور في فلك البحث عن المخرج المناسب الذي يفتح الطريق أمام النظام للخروج من هذا النزاع الطويل الأمد مع واشنطن، وأن حاجة النظام باتت ماسة لإنهاء حال العداء هذه، في حال كان المطلوب تكريس موقع ودور إيران على الساحة الدولية، أو على الأقل الاستثمار الإيجابي لنفوذها الإقليمي، والحفاظ على ما حققته على صعيد البرنامجين النووي والصاروخي، كقوة ردع تبعد عنها شبح الحرب، أو على الأقل تسمح لها بالرد على أي اعتداء قد تتعرض له. ولتحقيق هذه الخطوة لا بد من أن تصدر عن الجهة التي تمسك بالقرار الاستراتيجي للنظام، وهي المرشد الأعلى أو "الولي الفقيه"، على غرار ما حصل في الحرب العراقية – الإيرانية، حين لم يكن أي من المسؤولين الإيرانيين قادراً على الذهاب إلى خيار وقف الحرب والقبول بقرار مجلس الأمن رقم (598) لوقف إطلاق النار، طالما لم تصدر الموافقة عن زعيم الثورة ومؤسس النظام. ويريد التيار المحافظ قيادة هذه المفاوضات واختيار اللحظة المناسبة للقيام بهذه الخطوة، بحيث يتحمل القدر الأقل من الخسائر المعنوية والسياسية، وعدم تكرار الخطأ الذي حصل عام 1985، وإضاعة فرصة زيارة روبرت ماكفرلين "إيران غيت" لإعادة بناء العلاقة مع واشنطن في ظل قيادة الخميني حينها، التي لو حدثت لما كان الموقف الإيراني اليوم يترقب فوز ترمب أو بايدن في الانتخابات، ليبني على النتيجة موقفه وسياساته.

فريق روحاني

في المقابل، تدفع الانتخابات الأميركية والتردد الإيراني بين ترمب وبايدن، الفريق السياسي والاقتصادي لحكومة روحاني إلى الرهان على إحداث انفراجات سياسية واقتصادية من خلال وصول بايدن إلى الرئاسة، كونه واكب عملية التفاوض التي حصلت خلال توليه منصب نائب الرئيس في عهد أوباما، في حين يعقتد فريق المرشد والمؤسسة العسكرية و"حرس الثورة" أن عودة ترمب قد تسهل عملية التوصل إلى تفاهمات مع إدارته التي ستكون راغبة في تحقيق إنجاز على مسار الأزمة مع إيران. وعلى الرغم من أن هذا الفريق هو الأقدر على بناء تفاهم أكثر استقراراً على المستوى الداخلي، إلا أن عليه تجاوز عقدة أخلاقية تتمثل بموقفه من مسؤولية ترمب وفريقه عن عملية اغتيال قاسم سليماني، في حين أن على ترمب العمل على حل عقدة قراره بوضع قوات "الحرس" على لائحة المنظمات الإرهابية، وبالتالي إقناع أطراف إقليمية، وتحديداً إسرائيل، بضرورة الذهاب إلى تفاهم مع هذا الفريق.