قالت مصادر سياسية في بغداد إن جهود زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي في حشد الدعم الإيراني لإقرار صيغة الدائرة الواحدة في كل محافظة ضمن قانون الانتخابات، باءت بالفشل، في ظل تمسك الزعيم الشيعي مقتدى الصدر والقوى السياسية السنية بصيغة الدوائر المتعددة ضمن المحافظة الواحدة، التي سبق للبرلمان أن أقر إطارها العام، دون جداول تفصيلية.
وكان البرلمان أقر تعديلا جوهريا على قانون الاقتراع العام، تتحول المحافظة بموجبه من دائرة انتخابية واحدة إلى عدة دوائر بحسب عدد المقاعد المخصصة لها في البرلمان، لتصبح دائرة لكل مقعد، بدلا من دائرة لكل محافظة.
وأقر البرلمان هذا التعديل تحت ضغط تظاهرات حاشدة استمرت عدة شهور وسقط خلالها مئات القتلى وآلاف الجرحى بنيران ميليشيات موالية لإيران تدخلت لحماية النظام العراقي الذي يمثل الأحزاب الدينية.
وسافر المالكي إلى إيران الأسبوع الماضي بطريقة أثارت الجدل ووضعت الكثير من علامات الاستفهام على السلوك السياسي لزعيم ائتلاف دولة القانون ونواياه في المرحلة المقبلة.
وقالت مصادر سياسية في بغداد إن بند الانتخابات وقانونها كان من بين أولويات زيارة المالكي إلى إيران، موضحة أن جهود زعيم ائتلاف دولة القانون في هذا المجال لم تتكلّل بالنجاح.
وتشير المصادر إلى أن الإيرانيين رفضوا إعطاء المالكي وعدا بأنهم سيتدخلون في العراق لإعادة العمل بصيغة اعتبار المحافظة دائرة واحدة.
ويقول مراقبون إن إيران لا تريد المزيد من شعور الشارع العراقي - ولاسيما الشق الشيعي منه- بالغضب إزاءها، بعد أن كشفت تظاهرات أكتوبر 2019 حجم التراجع الكبير في شعبيتها داخل هذا البلد المجاور.
ويعد المالكي - وهو رئيس وزراء العراق لدورتين بين 2006 و2014- أكبر المستفيدين من القوانين الانتخابية خلال عمليات الاقتراع السابقة، إذْ كانت دوما تُبنى وفقا لقياسات مشروعه السياسي، لذلك حقق نتائج ليست واقعية في انتخابات 2010 و2014، قبل أن يتلقى صدمة كبيرة في انتخابات 2018، التي خسر خلالها ثلثي مقاعده تقريبا، بسبب اعتماد قواعد جديدة في الاقتراع.
ومنذ شهور يتحرك المالكي لتلافي تكرار خسارته خلال الانتخابات العامة المقبلة. لكن التظاهرات الحاشدة، التي طالبت بقانون انتخابات عادل يضمن تعدد الدوائر ضمن المحافظة الواحدة، أحبطت جهوده.
ويدرك المالكي أن تعدد الدوائر ضمن المحافظة الواحدة سيقضي على آماله في العودة إلى واجهة المشهد السياسي من بوابة البرلمان القادم، وذلك لأن جمهوره موزع بين مختلف المحافظات الجنوبية، ويحتاج إلى التجمّع خلال الاقتراع كي يكون مفيدا على المستوى الحسابي، على عكس الصدر الذي يملك في كل محافظة ما يكفي من الجمهور لحصد عدد المقاعد الذي يخطط له.
ويتمسك السنة بصيغة الدوائر المتعددة التي تتطابق مع مطالب المحتجين، لأنها كفيلة بزيادة عدد المقاعد التي ستحصدها قوى المكون السني في الانتخابات المقبلة، لاسيما في المحافظات التي يشكل فيها الشيعة أغلبية السكان.
ويقول الفريق المقرب من المالكي إن البرلمان العراقي أقر التعديلات الجديدة في قانون الانتخابات تحت ضغط الشارع بعد توافق سياسي على امتصاص موجة التظاهرات الأولى، دون نوايا حقيقية في اعتمادها خلال الاقتراع.
لكن رئيس البرلمان محمد الحلبوسي يكرر منذ أسابيع أن لا تراجع عن صيغة الدوائر المتعددة في كل محافظة، مطالبا المعترضين بالطعن في القانون المشرع عبر القضاء.
ورغم براغماتية موقف المالكي وسعيه نحو الحفاظ على مصالحه السياسية التي يضعها فوق كل اعتبار، بما في ذلك مصالح البلاد، فإن اعتراضاته تقوم على حقائق فنية وقانونية لا يمكن إغفالها.
وتشترط صيغة الدوائر المتعددة أن تكون الحدود بين أقضية ونواحي كل محافظة واضحة ومثبتة، وهو أمر غير موجود في العراق. بل إن الخلافات تصل إلى حدود المحافظات نفسها وعلاقاتها بين بعضها البعض؛ فعلى سبيل المثال هناك نزاعات بين العرب والكورد على مناطق عديدة شمال البلاد، بينما يتنازع الشيعة والسنة على حدود محافظات أخرى جنوب غرب العراق.
وتعجز وزارة التخطيط عن تقديم قوائم نهائية بأسماء الأقضية والنواحي لجميع مناطق العراق، بسبب تصورات القوى السياسية المتقاطعة عن الحدود وغيرها.
ويقول مراقبون إن تطبيق صيغة الدائرة لكل مقعد أمر شبه مستحيل في ظل التعقيدات القائمة، وقد يعيق إجراء الانتخابات من الأساس، لذلك يجري الحديث عن “حل وسط”، يضمن تعدد الدوائر في كل محافظة، دون أن يشترط تحديد دائرة واحدة لكل مقعد.
ويعكف خبراء القانون ومستشارون سياسيون يمثلون قوى مختلفة ومنظمات مستقلة بدعم من الأمم المتحدة على دراسة أفضل الخيارات للعملية الانتخابية القادمة.
ويدعم رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي صيغة الدائرة لكل مقعد، لكنه منفتح على مناقشة مقترح ينص على اعتبار كل محافظة أربع دوائر انتخابية، أو اعتبار العراق كله 80 دائرة انتخابية، تنتج كل واحدة 4 نواب، ليصبح عدد نواب البرلمان الجديد 320 قبل إضافة ممثلي الأقليات.
وتقول مفوضية الانتخابات إنها قد لا تتمكن من إجراء الاقتراع في الموعد الذي حددته الحكومة -وهو الأول من يونيو 2021- ما لم يتم حسم الجدل سريعا بشأن قانون الانتخابات.