بين الأسماء الأدبية الشهيرة التي نعرفها اليوم، والتي تُرجمت أعمالهم إلى لغات مختلفة، كان هناك من الكتّاب من عاش حياة الفقر وانزوى بعضهم أسيرًا للعزلة، ولم تُقدر روعة أعمالهم إلا وقد اقترنت أسماؤهم بالموت، تسرد السطور التالية بعضًا منهم.
إدجار آلان بو.. موت يليق بكاتب أدب الرعب
كانت وفاة إدجار آلان بو مقرونة بارتفاع كبير في قراءات كتبه حول العالم، فالنهاية الحزينة والمبكرة جاءت غامضة، وكأنها سُطرت بقلم كاتب أدب الرعب نفسه فذات ليلة ممطرة من ليالي شهر أكتوبر (تشرين الأول) عام 1849، وبينما كان أحد عمال المطابع في طريقه إلى مركز للاقتراع للإدلاء بصوته، عثر على رجل ملقى على الرصيف يهذي في حالة مزرية، بدا فاقد الوعي، وحين نُقل إلى أحد المستشفيات قضى هناك أربعة أيام بين نوبات الهذيان والهلوسات البصرية، وحين انتهت حياته جاء تقرير المستشفى «تم التعرّف إلى الرجل المجهول والمتسكع الذي مات على حافة الطريق، إنه الشاعر إدجار آلان بو».
عاش إدجار حياة مأساوية بسبب وفاة والدته المبكر بمرض السل، واضطُر للالتحاق بالجيش الأمريكي وهو في الثامنة عشرة من عمره، مُدّعِيًا أنه في الثانية والعشرين ليُقبل جنديًّا، ويتمكن من الحصول على مصدر دخل. كان بو صاحب موهبة شعرية وأدبية فذة، وقد بدأ نشر شعره منذ كان مجندًا تحت اسم مستعار هو آلان بيري، وتوالى بعد ذلك إنتاجه الأدبي من القصص والشعر.
مع ذلك لم يحصل إدجار على المال ولا الشهرة التي تحققت له بعد موته، إذ افتتن الكثيرون حول العالم بموته الغامض الذي لم يستطع أحد حتى الآن تفسيره، وبعد رحيله أعاد النقاد اكتشاف أعماله وقراءتها، وعُرف بأسلوبه الساخر وحكاياته الفكاهية، ووُصف إدجار بأنه أغرب شخصية في تاريخ أمريكا الشعري والأدبي.
فرانز كافكا.. وصية لم تُنفّذ
عزيزي ماكس، طلبي الأخير: كل شيء سأتركه ورائي؛ اليوميات والمخطوطات والخطابات والرسوم وما إلى ذلك ، يُحرق كله دون قراءته.
لولا أن الصديق ماكس برود خالف وصيته لما وصلت إلى أيدينا أعمال فرانز كافكا الرائعة، التي عمل صديقه على تحريرها وجمع فصولها غير المرتبة، لتنشر أعماله التي لم يمهله القدر ليضع عنوانًا لبعضها، ودون أن يضع نهاية لبعضها الآخر، لكنها كانت كافية لوضعه في مصاف الأدباء ذوي الشهرة.
وُلد كافكا فى مدينة براغ التشيكية عام 1883، وكان ينتمي إلى عائلة يهودية من الطبقة المتوسطة، وعاش حياة صعبة بسبب استبداد والده، ثم إصابته بمرض السل، سمحت له وظيفته أن يواصل هوايته في الكتابة، لكنه فضّل أن يعيش في عزلة، لم يخرج منها إلا حين تعرف إلى ميلينا عام 1920، وعاش معها قصة حب أسطورية، فخرج كافكا من عزلته، وأصبحت خطاباته إلى ميلينا من أهم ما كتب في الرسائل الأدبية.
إلى اليوم هناك مئات الكتب بلغات مختلفة تضع تفسيرات وتحليلات لأعمال كافكا ومقصده من ورائها، خاصة تلك التي لم يضع لها نهاية مثل روايته «القلعة»، ويستخدم اليوم على نطاق واسع مصطلح «علم كافكا أو Kafkaesque» بوصفها مدرسة في الكتابة، وتشير إلى المفاهيم والأفكار الغريبة السائدة في أعماله.
إميلي ديكنسون.. عزلة حتى الموت
في حياتها لم تحظ الشاعرة الأمريكية إميلي ديكنسون بالشهرة، واختارت أن تعيش عقودًا في عزلة بيتها، وكان الموت هو الموضوع الأبرز في قصائد إميلي ديكنسون، وقد عزا بعض النقاد هذه النزعة لديها إلى نشأتها المتديّنة، وحياتها في نيو إنجلاند؛ حيث المعدّل المرتفع للوفيّات في تلك الفترة، فكانت الجنازات مشهدًا يوميًّا مألوفًا هناك، بينما يرى آخرون أن نمط الحياة الذي اختارت إميلي أن تعيشه في عزلة هو ما انعكس في نصوصها، لقد لزمت إميلي بيتها عقودًا ولم تخرج منه إلا في مرات نادرة، حتى وفاتها عام 1886 عن عمر ناهز 56 عامًا.
عند وفاتها فقط اكتشفت شقيقتها القصائد التي دونتها إميلي، ويُعتَقد أنّ مجموع القصائد التي كتبتها بلغ 1700 قصيدة، فيما تحدثت بعض الدراسات عن عدد أكبر، ومع ذلك فلم يُنشر منها في حياتها سوى بضع قصائد بالكاد، وجُمعت قصائدها بعد موتها بفضل جهود المحرّر والناقد الأدبي رالف فرانكلين، وبعد رحيلها، وحين رأت قصائدها النور، ظلت كتبها على قائمة الكتب الأكثر مبيعًا، وعُدت إميلي من أبرز روّاد الحداثة في الشعر الأمريكي.
كانت إميلي تراسل الناقد المعروف توماس وينتوورث هيغنسون تطلب آراءه في قصائدها، وقد تبادلوا ما يقرب من 70 رسالة محفوظة في متحف إيميلي ديكنسون إلى جانب قصائدها.
هنري دارجر.. كنز أدبي أجاد إخفاءه
كان الأديب والرسام الأمريكي هنري جوزف دارجر من أكثر الأدباء وحدة وابتعادًا عن الأضواء، وبإرادته أمضى دارجر سنوات عمره ولا أحد غيره يدري بتلك اللوحات، والملاحم، والروايات التي كان يبدعها.
كان حارسًا ليليًّا في أحد مستشفيات شيكاغو، يقضي نهاره في العمل وليله في التأليف والرسم، وقد اختار حياة العزلة بعد حياة صعبة فقد فيها والدته طفلًا، ثم والده، واضطر للانتقال للعيش في بيت الأيتام، ثم نٌقل بعدها إلى مشفى نفسي خاص بالأطفال محدودي التفكير. وقد كتب في مذكراته عن مشكلته في تلك الفترة، يقول: «كانت نابعة من قدرتي على استبصار كذب الكبار، وبالتالي انزعاجهم مني لذلك السبب».
وقد رحل عن عمر يناهز الثمانين عامًا، لتُكتشف حينها فقط أعماله الرائعة، وقد دخل صاحب الغرفة التي استأجرها هنري دارجر لـ30 عامًا ليعثر على كنز أدبي نال شهرة واسعة، وجعل دارجر أحد أشهر كتاب القرن العشرين، تميزت أعماله بعوالمها غير الواقعية وكان أبرزها عمله الأدبي المعقد «قصة بنات فيفيان» الذي ضمّنه مئات اللوحات المائية، وجاءت فيما يزيد على 15 ألف صفحة خطها بيده.