تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

معرض الشارقة يفتح أبواب الأدب الكوري عربيا

الندوات الكورية
AvaToday caption
رواية "المخططون" للكاتب كيم وون سو الصادرة بالترجمة العربية عن دار المحروسة، فهي رواية مثيرة تفترض أن بعض الذين لا تعرف هويتهم يصممون حياة الإنسان وتاريخه بناءً على خططهم
posted onNovember 7, 2023
noتعليق

يرفع معرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته الـ42 شعار "نتحدث كتباً"، والعنوان هذا يمثل هوية المعرض بصفته حدثاً ثقافياً بارزاً، يحتفل بالكتاب العربي والكتب الأجنبية، وخصوصاً الكتب الآسيوية التي تملك جمهوراً خاصاً، في عداد الجمهور العام للمعرض.

ويستضيف المعرض هذه السنة أكثر من مئة دولة عربية وأجنبية، يمثلها نحو ألفي ناشر وعارض.

وتشهد دورة هذا العام من المعرض تنظيم عدد كبير من الندوات واللقاءات والأمسيات وسائر النشاطات الثقافية والفنية، ومنها ما يتعلق بعالم الطفل، ويشارك فيها أكثر من مئتي ضيف من ستين دولة. وقد تم اختيار الروائي الليبي إبراهيم الكوني شخصية العام في هذه الدورة، وتمت دعوة عدد كبير من الروائيين والشعراء والمفكرين العرب والعالميين، في طليعتهم الكاتب النيجيري الكبير وول سوينكا الفائز بجائزة نوبل.

ويقدم المعرض للمرة الأولى جناحاً تاريخياً بالتعاون مع جامعة كويمبرا البرتغالية، يضم 60 قطعة من المقتنيات الأثرية النادرة.

وعشية الافتتاح استضاف المعرض "مؤتمر الناشرين" كعادته كل عام، وجمع عدداً من ممثلي دور النشر والوكلاء الأدبيين من مختلف دول العالم، وهو يوفر فرصة للمشاركة عبر منصات مخصصة للاجتماعات وعقد الصفقات التجارية وتبادل الخبرات والمعارف حول آفاق تطوير القطاع، والاطلاع على أفضل الممارسات العالمية في قطاع صناعة النشر.

لكن الحدث الأبرز هو استضافة المعرض دولة كوريا الجنوبية بصفتها ضيف شرف، وبدت استضافتها أشبه بمهرجان داخل معرض الكتاب، تحت عنوان "خيال بلا حدود"، وبلغ برنامجها الأدبي والثقافي والفني نحو 50 ندوة ولقاءً ونشاطاً، وجذبت جمهوراً جاء يبحث عن معالم الثقافة الكورية الجنوبية ويتابع اللقاءات مع عدد من الكتاب، والاطلاع على أحدث الكتب الجديدة التي تمثل واقع الحركة الأدبية الكورية الجنوبية.

ومن أبرز الروائيين والشعراء المشاركين في الندوات كيونغ هيوون وكيم سانغ كيون وبارك هيونمين ولي هي سو وآهن جينا وجيونج موني ووكيم هو. وقد صدر في المناسبة كتاب مهم يقدم هؤلاء الكتاب الذين تمت ترجمة كتب لهم عرضت في الجناح بعنوان "عوالم وآفاق رحبة: نافذة على الأدب الكوري المترجم إلى العربية".

من المعروف أن الأدب الكوري يشهد في الأوان الأخير ازدهاراً في حقل الترجمة إلى العربية، وقد صدرت سلسلة كبيرة من هذا الأدب، خصوصاً الروايات، علاوة على الكتب التاريخية والثقافية. ولعل السبب الرئيس وراء هذا الازدهار هو الدعم المالي السخي الذي توفره المؤسسة الكورية الرسمية للناشرين والمترجمين، وبدا لافتاً عدد الكتب التي ترجمت، حتى بات ممكناً الكلام عن مكتبة للأدب الكوري الجنوبي بالعربية. ومن الدور التي تعنى بالترجمة والتوزيع: دار صفصافة ودار كلمة ودار المحروسة ودار ثقافة والدار العربية للعلوم وسواها.

خلال معرض الشارقة للكتاب التقى الجمهور المعني بالأدب الكوري الجديد عدداً من الروائيين والشعراء، واستمع إليهم يتحدثون مع ترجمة فورية، وطرح عليهم أسئلة واطلع على تجاربهم عن كثب، وعلى بعض نصوصهم بالعربية. لكن الأدب الكوري، الروائي والقصصي والشعري، يحتاج إلى قراءة هادئة وشاملة، كي تتبدى ملامحه الفريدة وخصائصه التي تميزه عن سائر آداب الشعوب. هنا قراءة في النصوص التي صدرت ترجماتها في مناسبة استضافة معرض الشارقة للكتاب الأدب الكوري.

الشاعرة كيم سنغ هي من أبرز الشعراء الكوريين الذين طوروا الشعر النسوي الكوري بين عامي 1970 و1980. تصور الشاعرة أحوال الوعي المتطور لدى المرأة الكورية من نواح مختلفة. وقد شاركت في تفكيك صورة المرأة الوهمية المثالية في ظل الأيديولوجيا الأبوية التقليدية، وبنت صورة المرأة المستقلة حديثاً من منظور المرأة بما يتناسب مع الواقع الراهن.

ويشعر القارئ بالطاقة المنبعثة من قصيدتيها "الحياة داخل بيضة 1" و"المرأة التي تحمل الرياح في ملابسها". وفي الأولى تقول: "ألا نحلم/ أن نصير أكثر قوة/ لأجل حياتنا/ نريد أن نبني منزلاً أكثر رسوخاً".

ويمكن للقارئ الإحساس برغبة الشاعرة في التغلب على الواقع المنعزل والمشتت في قصائد "الأمل وحيداً" و"الحياة داخل بيضة 2" و"هناك جزيرة ولكن"، فهي تتأمل في جذور الإنسان ووجوده، وتتراوح ما بين حدود اليأس والأمل، والعزلة والحب، والولادة والموت، لتغير نواقص الوجود إلى جمال الحياة بالقوى الشعرية.

أما الشاعر جونغ هو سونغ فيعكس في شعره فهمه العميق للآخر، وقيم الحياة ودروسها التي تعلمها شخصياً من خلال مراجعة نفسه والتأمل فيها. ومع أنه عاش واقعاً مليئاً باليأس والآلام إلا أنه ظل واقفاً إلى جانب الناس ونظر إليهم نظرة حب وتعاطف، فيعد شعره "شعر الأمل الذي يمسك بيد اليأس". ويفتح شعره مجالاً للقارئ للدخول إلى أحوال الآخرين والنظر إلى العالم نظرة محبة تتحمل مفارقات الحياة. وعندما يطلع القارئ على القصائد المترجمة للشاعر في الكتاب، يجد فيها كلمات سوداوية مثل "الظل" و"الدموع" و"القاع" و"الجدار" وغيرها. لكن هذه الكلمات لن تبقى كما هي، وإنما تتغير إلى كيان آخر. وهكذا يعكس الشاعر رؤيته إلى الحياة المبنية على تأمله الطويل وتجاربه المتنوعة في لغته الشعرية التي تكسر قوالب الأفكار وتتجاوز حدود اللغة. في قصيدة "عن القاع" يقول "من وصل إلى القاع يقول/ القاع غير مرئي/ لكنه يمشي إلى القاع حتى لو صدق/ لأنه يستطيع أن يرجع مرة ثانية". وفي قصيدة "حائط" يقول "لم أعد أدمر الحائط/ ألمسه بلطف/ ألمسه وأمسحه مراراً/ حتى يلين/ إذاً أبتسم بهدوء أمامه/ ثم أمشي ببطء داخله".

الروائية كيم إي ران التي باشرت حياتها الأدبية عام 2003 هي من الأسماء المعروفة جداً اليوم. وقد ترجمت قصة طويلة لها إلى العربية في المناسبة، وعنوانها "على أعتاب الشتاء" وكانت نشرت في مجلة "الإبداع والنقد" عام 2014 حين حدثت كارثة غرق سفينة سي وول التي كان فيها طلاب المدرسة الثانوية خلال رحلتهم المدرسية.

تعرض القصة حياة الزوجين المتوقفة بعد فقدانهما ابنهما الصغير بحادثة مفاجئة، فظلا منعزلين في حالة حداد يقاسيان معاناة غير قابلة للشفاء، لكن المعاناة الكبرى تكمن في نظرات جيرانهما وفي الإشاعات الغريبة حول موت ابنهما، فيقال إن الشخصية الرئيسة "أنا" - أبو الولد - يحاول الحصول على التأمين المالي باستغلال موت الولد. وقد تغير موقف الجيران فكانوا يتعاطفون معهما في البداية، إلا أنهم سرعان ما توقفوا عن الحداد والحزن على موت الولد الصغير، وتجنبوا الزوجين كأنهم يتجنبون الأمراض الخطرة المتمثلة في سوء الحظ، وتحدثوا عنهما في غيابهما. وتظهر في القصة تفاصيل عن مأساة حياة الزوجين اللذين يتحملان الأوقات الصعبة، وتتجلى ملامحهما الداخلية المحطمة بموت ابنهما. جسم الأم يرتجف من الحزن عندما تمسح أرض غرفة المعيشة فقد وجدت في زاويتها خط ابنها كتب به اسمه غير الكامل فلم تستطع إزالته.

أما رواية "المخططون" للكاتب كيم وون سو الصادرة بالترجمة العربية عن دار المحروسة، فهي رواية مثيرة تفترض أن بعض الذين لا تعرف هويتهم يصممون حياة الإنسان وتاريخه بناءً على خططهم. تدور الرواية حول شخصيتها الرئيسة ري سينغ، القاتل المحترف الذي ينفذ أمر الاغتيال بناءً على طلب أحد غير معروف. وفي يوم ما وجد ري سينغ قنبلة صغيرة مثبتة في مرحاض بيته، فبدأ يشك في أن اسمه ورد في قائمة الاغتيال بأمر المخططين، ومن ثم يقرر أن يكشف عن أسرار المخططين المخفية. وإذا نظرنا إلى العلاقة بين الجماعة العنيفة التي تسيطر على العالم وراء الستار وشخصية الرواية الرئيسة التي تمارس الاغتيال بحسب أوامرها، فهي تشبه العلاقة بين منظومة المجتمع الرأسمالي الحديث والأفراد المنعزلين. إذاً كيف يواجه الفرد منظومة الشر الضخمة غير المرئية؟

الكاتب باي مينغ هوون يتنقل بين الأدب الشعبي والسرد بحرية، لكنه يبدو دقيقاً في بناء العالم الروائي وماهراً في تطوير الأحداث. تدور رواية "الفن وسرعة الجاذبية" بين الباحثين والعاملين الذين يعيشون ويعملون في غواصة نووية عسكرية متعددة الجنسيات، وقد أصبح بعضهم معجبين بفرقة غنائية وبذلوا جهداً للفوز بتذاكر الحفلة الغنائية لهذه الفرقة. وأكثر ما يجذب انتباه القراء في هذه الرواية هو المراوحة بين القصة الداخلية والقصة الخارجية. فهي تدور بين أغاني الفرقة وأغاني حيتان أعماق البحر، والغواصة المغلقة ومسرح الحفلة الغنائية المفتوحة، وبين مهمة عسكرية سرية ومهمة حجز التذاكر لمشجعي فرقة آيدول. ويمكن للقارئ أن يتنقل بين القصتين الخارجية والداخلية مع تطور الأحداث، وهو يطلق العنان لخياله بطريقة خاصة.

أما رواية "لوز" للكاتب سون وون بيونغ الصادرة عام 2017 التي تمت ترجمتها حديثاً إلى العربية، فتدور حول الصبي يوون جاي البالغ من العمر 16 سنة وهو لا يستطيع أن يحس بالمشاعر ولا يثور، وإنما دائماً يكون هادئاً مهما كانت الظروف بسبب جزء دماغه الصغير الذي يطلق عليه لقب "اللوز". وفي يوم عيد ميلاده يفقد يوون جاي عائلته في حادثة مؤلمة ويبقى وحده في العالم، وتظهر أمامه شخصية أخرى اسمها غوون، فيملأه الغضب ويثور ويغضب بسرعة... وتصل القصة إلى ذروة الصراع. تصور الرواية كيف يواجه شخص عديم الإحساس العالم ويفهمه، كما تثير اهتمام القراء الذين مروا بمرحلة الطفولة والمراهقة في فترة الوباء، فهم واجهوا صعوبة كبيرة في فهم مشاعر الآخرين والتواصل معهم بسبب إجراءات التباعد من طريق الكمامات واللقاء عن بعد. ويمكن القارئ أن يدرك مدى صعوبة فهم مشاعر الآخرين وأهمية هذا الأمر عندما يرى في الرواية العالم الداخلي للشخص الذي يعاني عدم القدرة على التعبير عن مشاعره وفهمها في الوقت نفسه.