تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

العراق يحتفي بمئوية نازك الملائكة

مئوية نازك الملائكة
AvaToday caption
نازك الملائكة نالت مؤخرا صفة أبرز شخصية لعام 2023 من المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو) ناهيك عن كونها كانت الشاعرة الوحيدة بين الشعراء العرب الذين ورد اسمهم في “الانسكلوبيديا” البريطانية
posted onMay 31, 2023
noتعليق

في سابقة ثقافية وإبداعية احتفى العراق مؤخرا بمئوية رائدة الشعر العربي الحديث الشاعرة العراقية نازك الملائكة، والتي أقيمت بحضور رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، وجمع غفير من أدباء ومثقفي العراق والوطن العربي.

واحتضن مسرح الرشيد في العاصمة بغداد، يوم الثلاثاء الموافق للرابع والعشرين من مايو، فعاليات الاحتفال المركزي بمئوية رائدة الشعر الحر في العراق والوطن العربي.

خلال الحفل قدمت فرقة سومريات النشيد الوطني وأغنية “بغداد والشعراء والصور” للفنانة اللبنانية فيروز، وتولى الشاعر حسن مجيد تقديم الاحتفالية التي تضمنت فعاليات عدة امتدت ثلاثة أيام، وبعد ترحيبه بضيوف العراق عرج على سرد السيرة الإبداعية والحياتية لنازك الملائكة أم الشعر العربي الحديث، التي كسرت القالب التقليدي للقصيدة العربية مع الرائدين الخالدين بدر شاكر السياب وعبدالوهاب البياتي، مع عدد آخر من الشعراء المجايلين لهم، فحقق هذا الثلاثي العراقي المبدع نهضة ثقافية اقترنت بها عدة تحولات في الثقافة والفكر والأدب.

وشهد الاحتفال إلقاء عدة كلمات استعرضت مكانة وأهمية وعطاءات المحتفى بها، حيث ألقى رئيس اللجنة المنظمة للاحتفال المركزي مستشار رئيس الوزراء للشؤون الثقافية الشاعر عارف الساعدي كلمة قال فيها “لم يكن يتوقع السيد صادق الملائكة أن ابنته التي ولدت في عام 1923 ستمر مئة عام ويحتفل العراق كله والعالم العربي بتلك اللحظة، لحظة الولادة، لن يصدق أبدا ولن يتخيل هذا الحدث إطلاقا ولكننا نقول له نم قرير العين إن تلك القصائد التي كنت تسخر منها حين تكتبها ابنتك الصغيرة قد أصبحت قبلة يحج لها المثقفون وعالما يطوف حوله المريدون، تلك القصائد التي كتبت في بيت من بيوت أزقة الكرادة قد دخلت بعد سنوات لكل بيوت العالم العربي، فلم يبق طالب من طلاب عالمنا العربي إلا ومر عليه اسم نازك الملائكة، ولم يبق واحد منا إلا وحفظ قصيدة ‘الكوليرا’ وعرف ماذا تعني هذه المرأة الشاعرة والمفكرة”.

نازك أم الشعر العربي ورفيقته وفاتحة حداثتنا وتحولاتها، بها وبرفاقها افتتح الشعر العربي أوسع نوافذه وبتمردهم ولدت بلاغات جديدة

وأضاف “نازك أم الشعر العربي ورفيقته وفاتحة حداثتنا وتحولاتها، بها وبرفاقها افتتح الشعر العربي أوسع نوافذه وبتمردهم ولدت بلاغات جديدة ونبت أفق مغاير للتفكير السائد. فشكرا يا نازك، أمنا التي ربتنا قصائدها وعلمتنا كتبها وأهدت بصيرتنا مواقفها. شكرا أيتها النخلة العراقية التي ولدت ورحلت والأضواء تلاحقها وهي تختفي عنها بصمت، إنها بلاغة الصمت العظيم تلك البلاغة التي لا يجيدها إلا العظماء المتعالون على الضوء والضجيج”.

وشكر الساعدي الضيوف العرب الذين شاركوا في الاحتفال بمئوية الشاعرة إضافة إلى أدباء ومثقفي العراق الذين حجوا إلى دار السلام من كل محافظات العراق.

وألقى كلمة عائلة الشاعرة نازك الملائكة ابن شقيقتها سؤدد عوني المفتي، قال فيها “محدثكم نجل شقيقة الشاعرة نازك الملائكة سؤدد عوني المفتي، أحضر وشقيقتي ديار عوني المفتي هذا الحفل الكريم ممثلين عن والدتنا الأديبة السيدة سها الملائكة صغرى أشقاء الشاعرة نازك الملائكة، إذ أعاقها المرض عن الحضور”.

وأضاف “جدير بالذكر أن والدتي السيدة سها الملائكة كانت قد أقامت مع الشاعرة نازك الملائكة طوال ثلاثين عاما في دار واحدة في شارع أبوقلام في الكرادة الشرقية وهي الدار التي انطلقت منها أول قصيدة في الشعر الحر وهي قصيدة ‘الكوليرا’، وقد تعهدت الشاعرة نازك بتربية والدتي وتوجيهها أدبيا وشعريا وفنيا وموسيقيا طوال تلك الفترة، وأرخت لذلك بكتيب صغير أطلقت عليه اسم ‘سها.. طفولة تتفتح’ أشبه ما يكون بدفتر مذكرات كتبتها الشاعرة بخط يدها، يحتفظ بنسخة منه حاليا البروفيسور عبدالرضا علي في درج من أدراج مكتبته العامرة. وقد حرصت والدتي على توثيق تلك المذكرات بكراس مطبوع يسرني أن أضع بعضها بين أيدي السادة الحضور”.

وتابع “لسائل أن يسأل عن طبيعة نازك الملائكة الإنسانة لا الشاعرة. فشعرها متداول من خلال دواوينها الشعرية المطبوعة وليس صعبا الحصول عليه. أما نازك الإنسانة فلا أحد يعرف عنها شيئا. وقد حدثتنا والدتي السيدة سها عن خالتي وعن أسلوبها في الحياة، ويسرني أن أفصل ذلك بالقول: كانت نازك تملك حسا مرهفا إلى درجة أنها وصفت بـ'البكاءة' لسرعة انفعالها وتفاعلها مع الأحداث، كما كان حديثها غاية في الرقة، على الرغم من صمتها الذي عرفت به. كما كانت تختزن ذكريات عن طفولة عاشتها في بيت كئيب بالغ في القدم يوحي بالانطواء والانكفاء على الذات، ولم تكن تبتسم إلا قليلا حتى أنها كانت تبدو للناظر وكأنها تختزن عقودا من الهموم. وكانت عاشقة لليل البهيم، ولم تكن تحب النهار”.

وواصل ابن شقيقة الشاعرة “كما كانت كثيرة التغني ببغداد ودجلة العذب في شعرها. ولم تكن الشاعرة ممن يهتمون بمظهرهم، بل كانت غاية في البساطة: ثوب بسيط، لكنه عصري أنيق، وحذاء بغير كعب، رفيق بالأرض التي يمشي عليها، وكانت تطلق كلماتها بعفوية تامة ومن غير تكلف. ولعل ريادتها في الشعر كانت الصفة الأبرز التي تميزها، فقد عرف عنها أنها ضاقت بالقيود الكلاسيكية للقصيدة، وتمردت على البحر الواحد الذي كان من أبرز سمات الشعر المسموع في عهد الخليل بن أحمد الفراهيدي، فجددت شكل القصيدة وتخلت عن التفعيلة الواحدة واعتمدت كثرة التفعيلات في الشطر الواحد من القصيدة بدلا من التفعيلة الواحدة في الشعر العمودي. وقد كان الشعر في حياة الشاعرة قضية ومبدأ قبل أن يكون إبداعا، لذا فقد رفضت أن تبذل كلماتها في مدح الحكام”.

وذكر أن نازك الملائكة نالت مؤخرا صفة أبرز شخصية لعام 2023 من المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو) ناهيك عن كونها كانت الشاعرة الوحيدة بين الشعراء العرب الذين ورد اسمهم في “الانسكلوبيديا” البريطانية، ويكفيها هذا فخرا وعرفانا بمسيرتها الشعرية والتنظيرية التي فاقت كل تصور.

ألقى الشاعر عمر السراي، الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق، كلمة قال فيها “إنه لشرف كبير اليوم أن أقف بين أيديكم متحدثا باسم أرباب الكلمة الحرة والأصيلة، الذين جادوا بعملهم من أجل مسيرة ثقافية مهنية ومثابرة، تخدم الوطن وتعلي شأنه. فأن نكون في بغداد محتفلين، هذا أمر يعني الكثير، إذ ليس كمثلها أم تحتضن القادمين إليها، وليس كمثلها حضن رؤوم يحتفي بالجميع، وأن نكون مجتمعين من أجل نازك الملائكة، رائدة الشعر العربي الحديث، فإن مساحات البهجة تعلو لتعانق السماء، فبلد أنجب نازكا؛ ظل قويا بوجه كل عواتي الدهر، وبلد أنجب الملائكة؛ ظل عصيا على الشياطين التي تحاول أن تثني لواءه”.

وأضاف “ها نحن اليوم بعد مئة عام من ولادتها نقف وقفة وفاء لها، وهي تضع ابتسامتها ملاذا ضد الأفول، وبلسما للجراح، وهذه هي عادة الأمم الحية، أن تقدر رموزها لتستمد الطاقة نحو المضي قدما للمجد. لقد وعد مثقفو الوطن، وأوفوا وعودهم بأن يكونوا موازين للحق والعدل، وأسفر حصاد ما قدموه نجاحا عم البلاد، وفكروا واستمروا وثابروا وآن زمنهم في البناء الذي لم يغادروه. فشكرا لهم عراقيين أصلاء، ومواطنين صالحين".

وفي كلمته قال رئيس الوزراء محمد شياع السوداني “يأتي احتفال العراق بنازك الملائكة هذه المرة مختلفا ومغايرا، فقد وجهنا قبل أكثر من شهرين كل مدارس العراق في أن تكون كلمة يوم الخميس صباحا موحدة عن نازك الملائكة، ودور المرأة في بناء المجتمع، وذلك بمناسبة مرور مئة عام على ولادتها، كما نود أن نعلن لكم الآن عن تكليفنا أحد النحاتين العراقيين بعمل تمثال كبير لنازك الملائكة سينصب في إحدى ساحات بغداد، قبل نهاية هذا العام. ووجهنا دائرة البريد بعمل طابع بريدي عليه صورة نازك الملائكة وذكرى مئويتها”.

وعرض في الافتتاح فيلم وثائقي جديد استعرض حياة الملائكة منذ طفولتها، وتسميتها نازك تيمنا بالثائرة السورية نازك العابد، تحدث عبره العديد من النقاد والأكاديميين العراقيين. ثم ألقت الفنانة شذى سالم عددا من قصائد الشاعرة نازك الملائكة، وتبعتها مجموعة من القراءات الشعرية لكل من الشاعر العراقي كاظم الحجاج، والشاعر البحريني علوي الهاشمي، والشاعرة العراقية فائدة آل ياسين، والشاعر الإماراتي محمد البريكي، والشاعر العراقي عامر عاصي.

كما نظمت ضمن الاحتفالية جلسات نقدية، كانت أولاها عن التجربة الأدبية للملائكة، أدارها الناقد والمفكر عبدالله إبراهيم، وشارك فيها كل من فاضل ثامر وشوقي بزيع وسعيدة بنت خاطر الفارسي وعبدالزهرة زكي وعبدالعظيم السلطاني. ونوقشت فيها دراسات وبحوث نقدية تناولت حياة الشاعرة، كونها تعد ظاهرة متفردة في الشعر العربي، ورمزا من رموز الثقافة العراقية. وتناولت الجلسة الثانية، التي أدارها عبدالستار جبر، “حضور الحداثة الشعرية عند نازك الملائكة”، وشارك فيها محمد صابر عبيد ويوسف وغليسي وفائز الشرع وجوهر ولاد حمودة.

وشهد مسرح الرشيد في اليوم الثاني والأخير الجلسة الشعرية الختامية التي تولى الشاعر معن غالب سباح إدارتها، بقراءة إحدى قصائد نازك الملائكة، ثم قدمت فرقة أوركسترا السلام بقيادة المايسترو مصطفى زاير قطعة موسيقية بعنوان “ثلاث أمنيات” تفاعل معها الجمهور الحاضر بالتصفيق الحار. ثم ابتدأ الشاعر اللبناني شوقي بزيع القراءات الشعرية بعد 34عاما من الغياب عن القراءة في العراق، بقصيدة طويلة بعنوان “مريم”، ثم تلاه الشاعر العراقي حميد قاسم بقصيدة حملت عنوان “رميم ايمين”، والشاعر التونسي آدم فتحي الذي قال إن “في العراق الكثير من جذورنا والكثير من أجنحتنا إذ علمتنا نازك الملائكة الطيران”، تبعه الشاعر العراقي أجود مجبل بنص حمل عنوان “عن نازك الملائكة وأبنائها”، ثم الشعراء هناء أحمد وأحمد عبدالحسين ومخلص الصغير وهاشم الجحدلي، لتختتم الجلسة بالشاعر أحمد جارالله ياسين.

وبالتزامن مع هذه المناسبة المئوية بما انطوت عليه من دلالات مهمة، أعادت دار الشؤون الثقافية العامة طبع أعمال نازك الملائكة الكاملة في مجلدين.

الجدير بالذكر أن نازك الملائكة ولدت في بغداد لأسرة مثقفة، حيث كانت والدتها سلمى الملائكة تنشر الشعر في المجلات والصحف العراقية باسم أدبي هو “أم نزار الملائكة” وكانت تحبب إليها الشعر ولها أثر كبير في تنمية موهبتها وكانت تحفظها الأوزان الشعرية المشهورة (التي حددها علم العروض)، أما أبوها صادق الملائكة فترك مؤلفات أهمها موسوعة “دائرة معارف الناس” في عشرين مجلدا. وقد اختار والدها اسم نازك تيمنا بالثائرة السورية نازك العابد، التي قادت الثوار السوريين في مواجهة جيش الاحتلال الفرنسي في العام الذي ولدت فيه الشاعرة. وجدتها (أم أمها) شاعرة هي الحاجة هداية كبة ابنة العلامة والشاعر الحاج محمد حسن كبة، وخالاها جميل الملائكة وعبدالصاحب الملائكة شاعران معروفان وخال أمها الشيخ محمد مهدي كبة شاعر وله ترجمة رباعيات الخيام نظما.

درست نازك الملائكة اللغة العربية وتخرجت عام 1944، ثم انتقلت إلى دراسة الموسيقى ثم درست اللغات اللاتينية والإنجليزية والفرنسية في الولايات المتحدة، بعد ذلك انتقلت إلى التدريس في جامعة بغداد ثم جامعة البصرة ثم جامعة الكويت. وانتقلت إلى العيش في بيروت لمدة عام واحد ثم سافرت عام 1990 على خلفية حرب الخليج الأولى إلى القاهرة حيث توفيت، وحصلت نازك على جائزة البابطين عام 1996، كما أقامت دار الأوبرا المصرية يوم 26 مايو 1999 احتفالا لتكريمها بمناسبة مرور نصف قرن على انطلاقة الشعر الحر في الوطن العربي والذي لم تحضره بسبب المرض وحضر عوضا عنها زوجها الدكتور عبدالهادي محبوبة، ولها ابن واحد هو البراق عبدالهادي محبوبة، وتوفيت في صيف عام 2007. ومجموعاتها الشعرية هي: عاشقة الليل (1947)، نشر في بغداد، وهو أول أعمالها التي نشرت. شظايا ورماد (1949) – عدة طبعات، قرارة الموجة (1957)، شجرة القمر (1968)، يغير ألوانه البحر (1977)، مأساة الحياة وأغنية الإنسان (1977)، الصلاة والثورة (1978)، قصيدة الشهيد، ديوان نازك الملائكة (الأعمال الشعرية الكاملة) – عدة طبعات، المختار من شعر نازك الملائكة. أما مؤلفاتها فهي: قضايا الشعر المعاصر (1962) -عدة طبعات، التجزيئية في المجتمع العربي (1974)، وهي دراسة في علم الاجتماع، سايكولوجية الشعر (1992)، الصومعة والشرفة الحمراء (1965)، مآخذ اجتماعية على حياة المرأة العربية. ولديها مجموعة قصصية واحدة بعنوان “الشمس التي وراء القمة”(1997)، صدرت في القاهرة. وصدرت بشأنها عدة كتب ودراسات نذكر منها: حياة وشعر وأفكار، نازك الملائكة – لا للكعب العالي! لا لأفلام العصابات – كاتيا شهاب، الموروث الأسطوري في شعر نازك الملائكة – محمد رجب النجار، موجز الشعر العربي – للشاعر العراقي فالح الحجية، صفحات من حياة نازك الملائكة - الدكتورة حياة شرارة، نشر دار رياض الريس، الطبعة الأولى يناير 1994، السيرة والعنف الثقافي؛ دراسة في مذكرات شعراء الحداثة بالعراق، الكاتب محمد غازي الأخرس.