تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

مأزق "حزب الله" بعد الانتخابات

العملية الانتخابية
AvaToday caption
هذا الواقع يفرض قراءة جديدة للخريطة السياسية في لبنان، فالحزب المستقوي بمئة ألف مقاتل و150 ألف صاروخ، لم يستطع دعم الحلفاء المتعثرين
posted onMay 17, 2022
noتعليق

سناء الجاك

لم تنفع الجهوزية العسكرية الكاملة لحزب الله ولا استعراضاته ومواكبه السيارة وأعلامه المرفوعة، في تمكينه من الحصول على أكثرية نيابية موصوفة.

صحيح أنه، وكعادته، اعتمد سياسة الاعتداءات على الماكينات الانتخابية للوائح المنافسة، ولم يوفر الظهور المسلح لترويع الناخبين، ولم يتورع عن اتهام خصومه بالعمالة لإسرائيل، مع كل ما تحمل هذه الاتهامات من تبريرات للإقصاء والاعتداء وحتى القتل.

وبالطبع، استمات للحؤول دون وصول أي مرشح شيعي معارض إلى الندوة البرلمانية، ليس فقط حتى لا تتقوض هيبته وسطوته في مناطقه، ولكن حتى يبقى متحكما برئاسة مجلس النواب من خلال حليفه نبيه بري. وهذه المسألة لا يمكنه التساهل حيالها.

ولكن، بالرغم من كل ذلك، تمكن اللبنانيون من تسجيل أهداف تقارب كسر العظم بوجه الحزب المصادر للسيادة خدمة لمشغله الإيراني.

ونسبة الانتخابات في البيئة التي يعتبرها الحزب حاضنة له ولمشروعه تعكس يأسها منه ومن قيادته إياها نحو مجهول مدمر، لذا لم تسلم دائرة واحدة من الدوائر التي يمسك بزمام أمورها من تراجع في نسب المشاركة.

والأهم، أن هذا التراجع في الدوائر التي يسيطر عليها الثنائي الشيعي، اقترن بتقدم قوى المعارضة وصولا إلى تحقيق خرق في دائرة الجنوب الثالثة. فقد شهدت هذه الدائرة تحشيداً غير مسبوق.

ولم يتمكن الثنائي الشيعي من المحافظة على أرقام العام 2018، إذ وصلت نسبة الاقتراع إلى نحو 42 بالمئة، بتراجع بنحو 8 نقاط عن العام 2018

وذلك على الرغم من قدرة الحزب على تغيير محتوى الصناديق وفق مصلحته، مع اللجوء إلى التزوير، وإرغام الناخبين على التصويت للائحة "حزب الله" و"حركة أمل".

بالتالي، لم تفلح الممارسات التي انتهجها حزب الله لم تفلح في إرغام أكثر من 50 بالمئة من الناخبين الشيعة على دعمه بأصواتهم، على الرغم من الحملات والخطابات التي كثفها الأمين العام للحزب حسن نصر الله من خلال تصوير العملية الانتخابية بمعركة "حرب تموز" سياسية، وباستعطاف هذه البيئة وحثها على حماية سلاحه، فلم يتورع عن الإمعان في إلغاء الدولة لتجييش البيئة التي يبدو انها لم تعد حاضنة كما في السابق، وذلك بغية الحصول على أصوات الذين يفضلون حجب أصواتهم عن محوره، لأنهم وببساطة ضاقوا ذرعا بالحجج الواهية التي تدعي حمايتهم، او تتودد إليهم باستثمار "دماء الشهداء" في حين ينزلقون أكثر فأكثر إلى جهنم.

ويبقى بيت القصيد، الذي يتجلى بالهدف الأعلى والأكبر للحزب من العملية الانتخابية، وهي تأمين وصول الحلفاء للإمساك بالأكثرية النيابية، فقد تلقى الحزب المدعوم من إيران ضربة في الانتخابات البرلمانية اللبنانية بعد أن أظهرت النتائج الأولية خسارة معبّرة لحلفائه في الطوائف المسيحية والدرزية والسنية، مقابل النتائج الصارخة للوائح الثورة، ما يؤسس لتراكم يمكن الاستفادة منه في المراحل المقبلة، إذا ما أجاد "نواب الثورة" العمل.

هذا بالإضافة إلى الفوز الكبير لحزب "القوات اللبنانية" والتراجع القوي الذي لحليفه المسيحي الأبرز “التيار الوطني الحر"، الذي أوصله إلى رئاسة الجمهورية، بالتالي من المتوقع عدم حصول الحزب وحلفائه ومن خلفهم محوره الإيراني على الأكثرية التي تتيح لهم قيادة مصير لبنان إلى حيث يشاؤون.

 وهذا الواقع يفرض قراءة جديدة للخريطة السياسية في لبنان، فالحزب المستقوي بمئة ألف مقاتل و150 ألف صاروخ، لم يستطع دعم الحلفاء المتعثرين.

بالتالي، شعر حلفاء الحزب بالغبن وخسارة الشعبية، ولم يحصلوا منه على ثمن تغطيتهم سلاحه غير الشرعي وسياساته التي عزلت لبنان عن محيطه العربي وارتكاباته الجرمية لجهة التدخل في تقويض الأنظمة العربية وتصدير المخدرات إليها، فضَعُفَ تمثيل بعض هؤلاء، كالتيار الوطني الحر، أو خرج البعض الآخر من السباق الانتخابي كالنائب طلال أرسلان والوزير السابق وئام وهاب ورئيس الحزب السوري القوي الاجتماعي أسعد حردان.

هذا من جهة، ومن جهة ثانية، تبين للحزب أن هؤلاء الحلفاء، لا رصيد لهم كاف في بيئاتهم، بحيث يمكنهم تشكيل قوة فعلية داعمة له، فغالبيتهم لا يتجاوز حضورهم الإضافة عددية، عليه تمويلها وخوض معاركها وتوزيرها مع أن لا حيثية لها، بالضغط والإكراه والتعطيل. بالتالي عليه مراجعة حساباته على هذا الصعيد.

لذا، من المتوقع بعد مفاجآت الانتخابات النيابية، أن يلجأ "حزب الله" إلى تغييرات في استراتيجيته، لن تكون لطيفة بأي حال من الأحوال، ففي السابق عمد لتحقيق أهدافه إلى افتعال "حرب تموز" 2006، او "7 أيار" 2008، والاعتداء على بيروت واحتلال وسطها وصولا إلى اتفاق الدوحة، او موجة الاغتيالات او شل الحياة السياسية في مجلس النواب وتشكيل الحكومات وانتخاب رئيس للجمهورية.

لكن ربما لن تكون هذه التغييرات فعالة، كما كانت، ولن تؤت ثمارها، لأن الأحزاب، وتحديدا المسيحية ومعها الحزب التقدمي الاشتراكي الدرزي، التي هادنت الحزب، باتت أكثر وعيا لعدم جدوى مثل هذه المهادنة، كما أن الشارع كسر حاجز الخوف، على الرغم من كل الفظائع التي ارتكبها منذ انتفاضة 2019، وسخر المنظومة لتفليس الشعب اللبناني.

هذا بالإضافة إلى العوامل الخارجية، وفي مقدمتها مفاوضات إيران والولايات المتحدة في فيينا، فالحزب سيربط بالتأكيد استراتيجيته بالتوقيت الإيراني، لا سيما في مسألة ترسيم الحدود البحرية للبنان مع إسرائيل واستخراج الغاز، لكن ذلك سيزيد من مأزقه في ظل ما يسببه من انهيار متواصل للاقتصاد اللبناني ما سيزيد نقمة اللبنانيين عليه، ومن ضمنهم بيئته التي لم تعد حاضنة.