تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الانتخابات العراقية، الطموحات والواقع

الانتخابات
AvaToday caption
هناك محاولات إيرانية تجري لتجميع كل الأحزاب الشيعية مجددًا ضمن إطار مايسمى البيت الشيعي، مع منح حصص في الوزارات والهيئات المستقلة لكل المشاركين ضمن هذا الكيان إذا ما تم تشكيله
posted onOctober 25, 2021
noتعليق

د. سليم الدليمي

في العاشر من أكتوبر / تشرين الأول 2021جرت الانتخابات العراقية المبكرة ،والتي اشترك فيها أكثر من (3300) الآف مرشح، وكيان سياسي، يمثلون مختلف مكونات المجتمع العراقي، وبمشاركة واسعة من النساء، والمستقلين وممثلين عن ثوار تشرين المعارضة للنظام السياسي الحالي.

ولأول مرة لايشترك رئيس السلطة التنفيذية في الانتخابات، وقد أكتفى بممارسة دور المشرف العام والمهيء للانتخابات، دون أن يتقدم هو أو من يمثله للمشاركة في المنافسة للفوز بمقعد في مجلس النواب العراقي، وقد أدى السيد رئيس الوزراء المنتهية ولايتهِ، مصطفى الكاظمي دوره بمنتهى الحيادية والموضوعية، وهي سابقة لم يشهدها العراق على مدى الدورات الانتخابية التي عاشها العراق منذ 2003، حيث كان رئيس الوزراء أو الحزب الذي ينتمي له يستخدم كل الإمكانيات التي يوفرها المنصب من أجل الظفر بأكبر عدد من المقاعد البرلمانية.

كما شهد العراق ولأول مرة صعوبة كبيرة في تزوير الانتخابات كما كان يحصل في كل دورة، وقد جرت الانتخابات كما اشار المراقبون الدوليون والمحليون والناشطين بمنتهى السلاسة والعصمّة، وأن الأحزاب المتنفذة قد واجهت صعوبة في العبث بالأوراق الانتخابية كما كان يحصل في السابق، والسبب في ذلك يعود إلى استخدام اجهزة متطورة تمنع بالمطلق إجراء أي عمليات تزوير.

ورغم ذلك لم تجري العملية الانتخابية بالحرية المطلوبة، حيث مارست احزاب السلطة والميليشيات كل أنواع الضغط والترهيب، ضد الناخبين، من خلال استخدام المال السياسي، وشراء الأصوات واستخدام السلاح لإجبار بعض شرائح المجتمع على التصويت لشخص بعينه، فضلاً عن استمرار السمّة التي تسمّ الانتخابات العراقية في كل دوراتها على حالها، إلا وهي حالة التصويت للفئة أو الآثنية، أو المذهب الذي ينتمي له الناخبون، كما ساهم عزوف الناس عن المشاركة في الانتخابات إلى جعلها اشبه ماتكون بانتخابات بلا شرعية، كون الاحصائيات الحقيقية تشير إلى نسبة المشاركين فيها من الجمهور لم تتجاوز الـ(25 بالمائة)، وليس كما اشارت المفوضية العليا للانتخابات على انها قاربت (43 بالمائة).

افرزت الانتخابات فوز تكتلات وأحزاب وشخصيات جديدة، منها المستقلون الذين حصلوا على (40) مقعدًا، وثوار تشرين الممثلين بحركة امتداد على (9) مقاعد، وتقدم في حركة الجيل الجديد الكوردية المعارضة التي حصلت على (9) مقاعد على حساب حزب الاتحاد الوطني الكوردستاني، وخسارة حركة التغيير الانتخابات دون ان تحصل على أي مقعد، فيما خرجت احزاب قريبة من إيران منها بخيبة أمل كبيرة، فقد حصل تحالف الفتح الذي يمثل الميليشيات والأحزاب الموالية لإيران بـ(17) مقعدًا، وهو الأمر الذي دفعهم لرفض الانتخابات ونتائجها، وقد أعلنوا أنهم يريدون إعادة الاصوات التي سرقت منهم، وإلا فسيكون لهم موقف أخر.

الفائزون ومعضلة تشكيل الحكومة

رغم أن القانون المحكمة الاتحادية العليا يشير إلى أن من حق الكتلة الأكبر عددًا قبل الانتخابات أو التي تكونت من تجمع تكتلين أو أكثر بعد الانتخابات تشكيل الحكومة، بعد إداء القسم، كما اشار قانون (9) لسنة 2021 إلى أن الكتلة النيابية الأكبر في عدد المقاعد بعد أداء اليمين الدستوري هي القادرة على تشكيل الحكومة، ومع أن العراق يعيش في ظروف يجري فيها تطويع القانون حسب رؤية  الأحزاب القوية والتي تمتلك السلاح وتنفرد بحيازته، والمقربين من قوى إقليمية ودولية، فأن مفهوم الكتلة الأكبر عددًا قد يذوب أمام قدرة المقربين من إيران وعلى رأسهم رئيس تحالف دولة القانون وتحالف الفتح  الممثل للميليشيات الولائية على إقناع المستقلين أو الفائزين من الكتل السنيّة والكوردية على تشكيل تحالف قد ينافس كتلة التيار الصدري في تشكيل الحكومة رغم أن هذا التيار يمتلك (73) مقعدًا.

كما تعاني الأحزاب الشيعية الفائزة من ذات الصراعات والانقسامات، وهي تمارس سياسة شدّ الحبل فيما بين التياريين الرئيسين فيها(دولة القانون والتيار الصدري)، والمعروف أن الأثنان على طرفي نقيض بسبب سياسات سابقة اتخذها نوري المالكي رئيس الوزراء الأسبق لدورتين ضد رئيس التيار الصدري مقتدى الصدر وانصاره، وهو الأمر الذي جعل الفجوة بينهما صعبة الردم، وبما يجعل أمر التوافق على تشكيل كتلة برلمانية واحدة في البرلمان الحالي، صعب جدًا ، رغم أن هناك محاولات إيرانية تجري لتجميع كل الأحزاب الشيعية مجددًا ضمن إطار مايسمى البيت الشيعي، مع منح حصص في الوزارات والهيئات المستقلة لكل المشاركين ضمن هذا الكيان إذا ما تم تشكيله.

ولايختلف السنّة والكورد كثيرًا عن الوضع الشيعي فهم موزعون ومقسمون على أحزاب وتكتلات متصارعة ومتعارضة في السياسات ، ولكن الحقيقة تشير إلى أن الواقع الكوردي أفضل من الواقع السنيّ بسبب وجود زعامات مازالت تفرض وجودها وسياساتها على الأحزاب الكوردية، ولذلك نجد في كل انتخابات أن الكورد كانوا هم من يساهم في تحديد واختيار شخصية رئيس الوزراء (الشيعي) حسب مانصّ عليه إتفاق المحاصصة المذهبية والطائفية والذي وزع المناصب السيادية بين مكونا ت الشعب الرئيسية الثلاث.

فيما ينتظر السنّة إتفاق الشيعة على اختيار رئيس الوزراء ليتدخلوا لجهة الحصول على أكبر عدد من الوزارات والغنائم التي توزع بين التكتلات السياسية حسب حجومها.

كان الطموح الشعبي يرنو إلى الآتيان بأسماء جديدة للبرلمان غير تلك التي اعتادت ان تسيطر على الكم الأكبر من المقاعد والتي استطاعت من خلال المال الذي حصلت عليه، والنفوذ من التدخل كثيرًا في تغيير مجريات الانتخابات لصالحها رغم الرفض الشعبي لتلك الشخصيات والأحزاب، وكان الكل يأمل في تشكيل تيار جديد يخرج العراق من حالة التخندق الطائفي والآثني والعشائري والمناطقي، والخروج من حالة العزلة والتخلف في كل مناحي الحياة، وتراجع الخدمات التي تقدمها الدولة للمواطن، رغم الميزانيات العراقية الكبيرة، والتي جرى هدرها تبديدها على مدى (18) سنة.

كان الشعب يأمل أن تأتي حكومة عراقية تحقق له الأمن والاستقرار والرخاء الاقتصادي والسيادة، وتعيد العراق إلى حضنه العربي والإسلامي دون الوقوع في شراك إيران أو غيرها.

أما الواقع فيشير إلى أننا أمام تكرار لنفس السيناريو القديم، والذي يعني أن ذات الأحزاب ستتفق على تشكيل حكومة توافقية تضم الجميع ولاتستثني احدًا، وان هناك تحالفًا سيتشكل بين الأحزاب الشيعية بضغط إيراني من أجل تشكيل الكتلة الأكبر لتخرج برئيس وزراء يحقق لإيران ماتريده من العراق في ظل ظروف العزلة التي تعيشها، وكل ذلك لن يتم دون حصول موافقة الادارة الأمريكية التي تشترك مع إيران في ذات الأهداف المصلحية والجيوسياسية بالنسبة للعراق.

الواقع يشير أيضًا إلى أن الشعب بعزوفه وبتصويته عاقب الحاكمين واحزابهم اشد عقوبة عبر رفضه التصويت لأحزاب وتكتلات وشخصيات رأى فيها أنها قريبة من بعض الدول في المنطقة، كما انه اسهم في تعقيد المشهد في نفس الوقت، إذا أن أمر حسم الكتلة الأكبر لن يكون بالأمر الهيّن في ظل الصراع القائم على رئاسة السلطة التنفيذية، حيث أن عدم المشاركة الواسعة آجلت إلى حين أمر حسم من سيكون الفائز بعد ظهور النتائج مباشرةً، إذ لازلنا بعيدين عن اختيار شخص رئيس الوزراء بعد ظهور نتائج الانتخابات مباشرةً، وعدم دخول  امر الاختيار إلى بازار المساومات التي تقبل كل شيء بما فيها تزييف النتائج والحقائق.