تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

صواريخ الإمارات إلى المريخ وصواريخ العراق على مطاره

الميليشيات تستهدف المطارات والمواقع العكسرية
AvaToday caption
إيران الإسلامية هي نموذج مبني على الحروب، وهو ما يعني استحالة بناء صداقات دولية وشراكات تجارية، وهو ما يعني الاعتماد على مبيعات النفط، وهذه إن تعطلت، بسبب عقوبات أو غيرها، تجوع إيران
posted onJuly 28, 2020
noتعليق

حسين عبدالحسين

اختصر الأسبوع الماضي الانفصام الذي تعيشه منطقة الشرق الأوسط بين دول حكوماتها رشيدة وشعوبها تعيش في سلام وبحبوحة، ودول حكوماتها فاشلة وناسها يعيشون في حروب وفقر. الإمارات أعلنت إطلاق أول صاروخ فضائي عربي في رحلة علمية استكشافية إلى كوكب المريخ، والميليشيات العراقية أعلنت إطلاق صواريخ على مطار بغداد الدولي.

خياران واضحان أمام الشعوب العربية والإيرانية والتركية: إما تنمية اقتصادية وحوكمة وازدهار وانخراط في النظام العالمي واقتصاده، مثل دول الخليج، أو انهيار اقتصادي وحكومات فاشلة وميليشيات ومحاولة إرهاب المجتمع الدولي والانعزال عن اقتصاده، مثل في إيران والعراق ولبنان.

لم يعد خافيا الفشل الذريع الذي خلّفه الإسلام السياسي، بشقيه الشيعي في إيران والسني في تركيا. القداسة غذاء الروح والحياة الآخرة، والحكم ناموس المادة والحياة الدنيا. من يفصل بين الاثنين يعش سعيدا، ومن يخلط بينهما ينتهي به المطاف بلا حياة، لا في الدنيا ولا في الآخرة.

الدولة الإسلامية مشروع فاشل استلهمه مؤسسا "الجمهورية الإسلامية في إيران"، روح الله الخميني وعلي خامنئي، من كتابات مؤسسي الإخوان المسلمين المصريين حسن البنا وسيد قطب، ثم قام الخميني وخامنئي بمزج أفكار الإخوان المتهالكة بأفكار اليسار العالمي المعادي للغرب والرأسمالية. هكذا، ورثت إيران الإسلامية انهيار الاتحاد السوفياتي الشيوعي، وورثت أيتام الشيوعية، فأشهر الإرهابي اللينيني كارلوس إسلامه في سجنه الفرنسي، وساوى الحزب الشيوعي العراقي بين مقتل الإمام الشيعي الثالث الحسين بن علي والأرجنتيني الكوبي تشي غيفارا.

لم يثن الفشل الشيوعي إيران عن تبني النموذج السوفياتي المعادي للنظام العالمي. وبالاستناد إلى عائداتها النفطية، لم تحتج طهران إلى إصلاحات أو خطط لتنمية نفسها واقتصادها، بل تصرّفت وكأن الاقتصاد يدير نفسه، وإن صدقنا أحد أصدقاء النظام من الإيرانيين الأميركي ولي نصر، في أحد كتبه، لرأينا أن ملالي إيران لم يروا أنفسهم يوما معنيين بالاقتصاد، بل أن الخميني أجاب على سؤال حول كيفية الخروج من متاعب إيران الاقتصادية بالقول إن "الثورة الإسلامية لم تأت لتخفيض أسعار البطيخ".

صدق الخميني. "الجمهورية الإسلامية" هي عكس الحكومة الرشيدة. "الجمهورية الإسلامية" هي حكومة تعمل وفقا لأساطير دينية، ودعاية حربية، وشعارات وخطابات، وشتم وتخوين. من يطالع خطابات خامنئي وجنوده، مثل اللبناني حسن نصرالله، لن يعثر فيها على رؤى واضحة لكيفية الحكم وإدارة الاقتصاد. خامنئي شعر بضيق اقتصادي قبل أعوام، فأطلق نظريات خنفشارية حول "اقتصاد المقاومة"، وهذا اقتصاد مبني على تحويل إيران والدول العربية التابعة لها، والصديقة مثل كوبا وفنزويلا، إلى وحدة اقتصادية متكاملة ومكتفية ذاتيا. مرة أخرى، لم يدرس حكام إيران تجربة السوفيات الفاشلة. الاتحاد السوفياتي وكتلة الدول الشرقية التي كان يحكمها أقامت وحدة اقتصادية منعزلة عن الاقتصاد العالمي، وادعت أنها مكتفية ذاتيا ومزدهرة. لم يمرّ زمن طويل قبل أن يتبين أن النجاح السوفياتي كذبة، وأن الناس في الكتلة الشرقية كانوا يتضورون جوعا، مثل الإيرانيين والعراقيين والسوريين واللبنانيين واليمينيين اليوم.

النمو الاقتصادي ورفاه الشعوب بحاجة لسلام، أو كما أسمته تركيا يوما وأفادت منه "تصفير المشاكل" في العلاقات الخارجية. كما يحتاج النمو لبناء أكبر قاعدة من الأصدقاء الدوليين والشركاء التجاريين، وإقامة أكثر حكومة فعّالة وشفافة مبنية على حكم القانون، بما يكفل تدفق الاستثمارات الخارجية. لكن إيران الإسلامية هي نموذج مبني على الحروب، وهو ما يعني استحالة بناء صداقات دولية وشراكات تجارية، وهو ما يعني الاعتماد على مبيعات النفط، وهذه إن تعطلت، بسبب عقوبات أو غيرها، تجوع إيران.

تركيا الإسلامية كانت على الطريق الصحيح في النمو والبحبوحة، لكن حاكمها رجب طيب إردوغان طاب له البقاء في الحكم، فبدأت شعبيته واقتصاده بالتراجع بسبب استبداده. وللتعويض عن التقهقر، استعان إردوغان، كما خامنئي، بالشعبوية، فراح يشتم إسرائيل والغرب، ويبث الدعاية حول عظمة تركيا وتآمر العالم عليها، ومضى إردوغان يطعم وحش الإسلاميين في الداخل، ويراكم الأعداء في الخارج، فخسرت تركيا تجارة وأسواق، وبدأ اقتصادها بالانحدار وعملتها بالتراجع، فما كان من إردوغان إلا أن ضاعف من شعبويته، وانخرط في سباق نحو الهاوية مع إسلامه السياسي.

لم تقدم أي نماذج حكم في التاريخ البشري بديلا أفضل من التجارة الحرة والتفاعل السلمي بين الشعوب كوسيلة نمو اقتصادي وبشري ورفاه وبحبوحة. حتى رسول المسلمين كان تاجرا، وانحدر من قبيلة تجّار، وساوم ووقع معاهدات سلام أكثر مما خاض حروبا. لكن الخرافات الدينية التي تمارسها إيران وتركيا والإسلام السياسي عموما، والشعوذة حول إقامة نماذج إسلامية في الحكم، كلها أساطير مستوحاة من نماذج طغيان، سوفياتية أو غيرها، لم تنجح ماضيا، ولن تنجح مستقبلا.

في لبنان شعب توارث التجارة والانفتاح على العالم على مدى الألفيات الثلاثة الماضية، وأفاد أيّما إفادة من تحييد القوى الإقليمية له عن الصراعات بين 1949 و1969، وهي الفترة التي يتذكرها اللبنانيون على أنها ذهبية. حاكم دبي، الشيخ محمد بن راشد، قال علنا إنه عندما بدأت دبي مشوارها لتصبح قبلة المهاجرين من كل العالم، كانت تنظر إلى لبنان كنموذج. لكن إيران كان لديها رؤية مختلفة للبنانيين: أن يتحولوا إلى أداة لفرض الهيمنة الإيرانية وابتزاز الغرب وإسرائيل. هكذا، وصلت دبي إلى المريخ، فيما لبنان غارق في الظلام الدامس بسبب انقطاع الكهرباء، في صيف حار، ووسط بنية تحتية منهارة ترشح منها المياه المبتذلة، وبدون مياه للبيوت، مع عصابات تقبض على البلاد وأرواح ناسها.

ومثل اللبنانيين، انشغل العراقيون بتهديدات بلهاء للولايات المتحدة، وبإطلاق الصواريخ على مطارهم. أما البصرة، التي تقع على ملتقى أقدم نهرين في العالم وتعوم على احتياطي نفطي ضخم، فلا ماء ولا كهرباء فيها. فقط صور تمجد خامنئي والأموات، الماضين والمستقبليين.