تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الرياض-طهران-واشنطن.. من يقنعهم بمبدأ العراق أولا

ظريف مع رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي
AvaToday caption
لا تتحمل هشاشة الدولة في العراق وحدها المسؤولية، فالواقع الاقليمي للعراق محكوم بتنافس وصراع بين دول تريد أن تلعب دور الشرطي في منطقة يحكمها منطق الصراع القائم على أساس ايديولوجيات دينية وطائفية وأخرى قومية
posted onJuly 20, 2020
noتعليق

إياد العنبر

طوال سبعة عشر عاما لم تكن سياسة العراق الخارجية تعبر عن كونها دولة طبيعية تنطلق في علاقاتها مع محيطها الإقليمي والدولي على أساس تحقيق المصلحة الوطنية أولا. ومن مفارقات الخطاب السياسي العراقي الخارجي للحكومات السابقة محاولته تقديم رسائل اطمئنان إلى جواره الإقليمي بأن سياسته الخارجية تعتمد مبدأ الحياد والتوازن بين الأقطاب المتصارعة والمتنافسة.

ويبدو أن صانع القرار كان موهوما بأن العراق "دولة" مؤثرة في التفاعلات الإقليمية والدولية في منطقة الشرق الأوسط ولذلك نجده يكرر بطريقة مملة ذلك الخطاب، في حين يؤكد واقع الحال أن العراق ليس إلا ساحة للصراع بين القوى الدولية والاقليمية. ولا يزال العراق عاجزا عن المبادرة بأن يكون فاعلا في محيطه الإقليمي وليس تابعا. فهو لا يستطيع أن يخرج من دائرة النفوذ الإيراني والتدخلات التركية والخليجية، ولا تعول عليه الولايات المتحدة كحليف استراتيجي.

وعندما يكون الوصف الدقيق للعراق بأنه "دولة هشة" فلا يمكن أن تكون سياسته الخارجية تعمل على وفق مبدأ حفظ سيادة العراق وحدوده! لأن واقع الدولة الهشة يفتقد للممانعة أمام استقطاب صراعات النفوذ التي تدار على أرضه والتي تتعامل مع الجماعات بعناوينها الطائفية والقومية وتتجاهل التعامل الرسمي مع العراق بعنوان "دولة" وليس جماعات وطوائف. والسبب الرئيس هو فقدان ملامح الدولة ومقوماتها في العراق، الأمر الذي ينعكس على إداراتها لعلاقاتها الخارجية.

ولا تتحمل هشاشة الدولة في العراق وحدها المسؤولية، فالواقع الاقليمي للعراق محكوم بتنافس وصراع بين دول تريد أن تلعب دور الشرطي في منطقة يحكمها منطق الصراع القائم على أساس ايديولوجيات دينية وطائفية وأخرى قومية تسعى لاستعادة أمجادها الامبراطورية. ويعمل ذلك في ظل غياب شبه تام لفاعلية المنظمات الدولية والاقليمية في جمح رغبات الدول المتصارعة على بسط سيطرتها ونفوذها.

وفي أجواء هذه البيئة المتوترة والمتصارعة وواقع الدولة الهشة في العراق، تتجه حكومة الكاظمي إلى زيارة عواصم إقليمية ودولية تبدأ جولتها إلى زيارة الرياض وطهران ومن ثم التوجه نحو واشنطن. ويبدو أن الكاظمي يدرك تماما بأن ترتيب الأوضاع الاقتصادية والأمنية لن تتم من دون إعادة ترتيب الأوراق مع الرياض وطهران قبل تحديد موعد لزيارة البيت الأبيض.

يحتاج الكاظمي إلى إقناع الرياض أن التماثل الشكلي بالمصالح بين البلدين يتم من خلال الشراكة الاقتصادية فهي الطريق الأنجع في توثيق العلاقات الثنائية بين البلدين. وبذلك يحتاج العراق الانتقال من اللقاءات الدبلوماسية والبروتكولات السياسية إلى تنفيذ مشاريع الشراكة على أرض الواقع. والبداية تكون بتنفيذ المشاريع التي تم الاتفاق عليها في المجلس التنسيقي لتطوير العلاقات بين البلدين الذي انعقد في 2017، ومن أهمها إعادة العمل بمنفذ عرعر مع السعودية ودخول الاتفاقيات بشأن توفير الطاقة للعراق حيز التنفيذ.

وقبل التفكير بوساطات بين الرياض وطهران، يجب أن تكون الأولوية لدى حكومة الكاظمي هي التركيز على جعل طهران فاعلة ومؤثرة في مساعدة حكومته بجهودها لاستعادة الدولة من الكيانات الموازية، وهذا يحتاج إلى التعاطي المباشر مع من بيده القرار السياسي الخارجي الفعلي في طهران، فالتعامل مع القنوات والمؤسسات الرسمية في طهران يجب أن يقابله تعامل بالمثل. واعتقد أن هذه الورقة الوحيدة التي يمكن للكاظمي أن يربحها في قبال التدخل بعنوان الوساطة وتهدئة الأجواء بين الرياض وطهران، وقد تكون البداية لترسيخ مبدأ التعامل مع العراق باعتباره شريكاً وليس تابعاً.

ومن دون ترتيب الأوراق والأولويات داخليا وإقليما لن تكون زيارة الكاظمي إلى واشنطن أكثر من محطة لتلقي الرسائل من واشنطن وقبل زيارة البيت الأبيض يجب أن يكون لدى الحكومة خارطة طريق لتحقيق الاستقرار السياسي والأمني في العراق، فواشنطن تحتاج إلى الاستماع لرؤية حكومة الكاظمي بخصوص الملفات التي تتعلق بحماية تواجدها في العراق والخطوات التي تسعى الحكومة لاتخاذها في مواجهة الجماعات المسلحة التي تهدد تمثيلها الدبلوماسي ومواقعها العسكرية بصواريخ الكاتيوشا. والأهم من ذلك كيف يمكن فك الارتباط بين قرار العراق السياسي والأمني والاقتصادي والتأثيرات الإيرانية؟

تدرك حكومة الكاظمي بأن الظروف قد تكون مؤاتية لتوثيق علاقات العراق مع جيرانه، فهو رئيس جهاز المخابرات قبل أن يكون رئيسا للحكومة، ويبدو أنه يملك تصورا كاملا عما تريده دول الجوار من العراق. بيد أنه اليوم أمام اختبار حقيقي لمصداقية الشعار الذي رفعه في بداية تسنمه المنصب (العراق أولا)، فمن رحب بتكليف بالمنصب قد يكون أول من يتخلى عنه في حال لم يثبت قدرته على تحويل شعاراته إلى واقع في السياسة الداخلية والخارجية. لاسيما بعد الانفتاح السعودي على العراق الذي بدأ من حكومة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي واستمر في حكومة عادل عبد المهدي.

كل هذا القراءات والفرضيات لن تتم إذا لم تكن الحكومة العراقية قادرة على إقناع الأطراف التي تتصارع على توسيع دائرة نفوذها في العراق، بوجود رؤية ونسق سياسي جديد يقوم على أساس مبدأ "العراق أولا"، ولا يمكن أن يبقى ساحة لتصفية الحسابات وإرسال رسائل التهديد. وهذا المبدأ يحتاج أولا وأخيرا بأن تكون الحكومة قوية بعلاقتها مع الشعب وتحقيق مصلحة المواطن وليس الأحزاب والقوى السياسية التي تعلوا ولاءاتها الخارجية على الولاء للعراق. وهنا تحديدا يختصر المفكر المغربي عبد الله العروي هذه السردية بقوله: "إن التشدد على ضرورة تقوية الدولة باستمرار دليل على أنها ضعيفة باستمرار. إذا لم يقنع هذا الدليل الجدلي القارئ، فما عليه إلا أن يلقي نظرة على السياسة الخارجية ليتأكد من نفس النتيجة، لأن المحك الحقيقي لصلابة أية دولة يكمن في علاقاتها مع الخارج"