تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

القضاء على الميليشيات الإيرانية حاجة عراقية

ميليشيات عراقية
AvaToday caption
إيران عاجزة في الظروف العصيبة التي تمر بها على تغطية متطلبات شبكة ميليشياتها في العراق ولبنان وسوريا واليمن بعد انهيار نظامها العام بسبب كورونا والعقوبات الأميركية، يرافق ذلك عجز الميزانية العراقية التي سيتعذر عليها تقديم ذلك المستوى من الدعم
posted onMarch 29, 2020
noتعليق

د. ماجد السامرائي

لا يُتَوقع أن يتم القضاء على الميليشيات المسلحة الموالية لإيران في العراق بضربة أو ضربات عسكرية أميركية تجري حولها استعدادات، وفق التقرير الصحافي الذي نشرته صحيفة نيويورك تايمز الجمعة، لاستهداف مقراتها وبعض قادتها، رغم أن أغلبها حاليًّا في طهران والبعض الآخر قد انتقل إلى مواضع بديلة.

الصحيفة أنهت التقرير بعبارة ملفتة هي أن “الرئيس لم يقرر خلال اجتماع جرى في البيت الأبيض توجيه ضربة لكنه سمح باستمرار التخطيط”.

ويكشف ذلك حالة الانقسام داخل مؤسسات البنتاغون ووزارة الخارجية والبيت الأبيض بشأن ما تقدمه هذه الضربات من أهداف مثل إزاحة تلك الميليشيات أو انفتاح ظروف عسكرية ضد إيران لا يمكن السيطرة عليها.

لم تعد سرًّا المكانة التي تحتلها الميليشيات المسلحة في العراق لدى نظام خامنئي، باعتبارها النموذج الحيوي الذي لا يمكن تعويضه للمحافظة على نفوذه في العراق والمنطقة، قد يمكن التضحية بسياسيين أصبحوا قادة وزعماء في حكم العراق، وبعضهم سبب وجع رأس للنظام الإيراني بسبب فضائح سرقاتهم، لكن تلك المكانة تبقى مرتبطة بمدى تسهيل مهمتهم لتلك الميليشيات.

ولعل الخلاف على المكلف الحالي لرئاسة الوزارة عدنان الزرفي يقع داخل هذه التقديرات والاعتبارات في دائرة الملف العراقي في طهران التي خلفت مقتل قاسم سليماني.

مثلاً هادي العامري ومقتدى الصدر اللذان يتزعمان أكبر قوتين ميليشياويتين وبرلمانيتين ما زالا يحتلان مكان الصدارة في الرعاية لدى خامنئي لاعتبارات سياسية، رغم مزاحمتهما من قبل جيل جديد كأدوات أكثر حيوية في تنفيذ رغبات الحرس الثوري مثل العصائب وحزب الله والنجباء وأبوالفضل العباس.

مراكز الزعامة الميليشياوية تأثرت بظروف الاحتلال العسكري الأميركي لحد عام 2011 حيث كان مقتدى الصدر يعتبر نفسه رمزا شيعيا وحيدا لمقاومته، في حين انغمرت منظمة بدر وزعماؤها في إغراءات السلطة التي أصبحت زعامات جديدة تتنافس على مغانمها وقد تتقاتل إن لزم الأمر على تلك المغانم بعد انفتاح خزائن العراق وفق معتقد خرافي يقول إن هذه الأموال هي “مغانم شرعية” ومكاسب تنزلت عليهم وحدهم بسبب نضالاتهم ضد نظام صدام، وليست ثروات شعب يستحق الحياة في ظل دولة ونظام جديد، وواقعهم الحقيقي يقول إنهم مجموعة لصوص ذوي مهارات خاصة تابعين لمافيات النهب والفساد في إيران.

ظلت الأحزاب الشيعية واجهات سياسية لتلك الميليشيات المسلحة، تتفاوت درجة الثقة برئيس الوزراء كحاكم أول بمدى قربه وتسهيله لمهمات تلك الميليشيات رغم الفجوة الكبيرة التي أحدثها خلاف رئيس الوزراء الأسبق، نوري المالكي مع مقتدى الصدر، حيث حاول إشعار طهران بأن مؤهلاته السياسية تتفوق على رجل دين شاب لا يمتلك، في نظره، سوى تاريخ عائلته في المرجعية الشيعية، وعبّر عن دعمه للميليشيات لدرجة اعتبر نفسه أباها الروحي.

حين حاول رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي وضع مسافة بينه وبين تلك الميليشيات وتقنينها داخل مؤسسة رسمية عام 2016 عجز عن تحقيق مهمة حصر السلاح بيد الدولة بسبب انشغاله بالحرب على داعش، ثم التداخل المدبر الذي مرره قاسم سليماني لتعزيز مكانة تلك الميليشيات في الحكومة والبرلمان. ونزل الغضب الإيراني عليه وتم وصفه بالأميركي رغم أنه ليس كذلك، بل يوصف بأنه من تركيبة فكرية وسياسية شيعية تؤمن بوحدة المصير الشيعي، واحتدم الخلاف بينه وبين أبي مهدي المهندس الذي أصبح قبل مقتله ركنا أساسيا في الشبكة العراقية الواسعة من الميليشيات الإيرانية والجهات الوكيلة لإيران. والذي وضع موته تلك الشبكة في حالة صراع على الزعامة فيما بينها من جهة، وبين الزعامات السياسية القلقة على مصيرها السياسي بعد انتفاضة أكتوبر 2019 من جهة ثانية.

زعامات الميليشيات الموالية لإيران تحاول عبثا في هذه الأيام العصيبة التي تواجهها وتهدد بانهيارها الإيحاء للأوساط السياسية بأنها صمام الأمان لبقاء تلك الأحزاب في السلطة، فتقيم الاستعراضات العسكرية الشكلية في شوارع بغداد للتعبير عن ذلك، وإن عجزت تلك الأحزاب عن منع تمرير عدنان الزرفي فإن تلك الميليشيات ستحضّر لانقلاب سياسي وعسكري في القصر يستبدل رئيس الجمهورية ويزيح رئيس الوزراء. لكن هذه الميليشيات تعلم جيدا أن شباب العراق بانتفاضتهم قد أعلنوا رفض وجودهم والترحيب بأية محاولة لإنهاء هذا الوجود الخطير.

إيران عاجزة في الظروف العصيبة التي تمر بها على تغطية متطلبات شبكة ميليشياتها في العراق ولبنان وسوريا واليمن بعد انهيار نظامها العام بسبب كورونا والعقوبات الأميركية، يرافق ذلك عجز الميزانية العراقية التي سيتعذر عليها تقديم ذلك المستوى من الدعم، رغم أنه لن يوقف النهب بل ستكون أساليبهم في السرقة أكثر مكرا لتغطية متطلباتهم وتقديم العون للنظام الإيراني أيضا، ولا يتوقع لقادة الأحزاب الفاسدة في العراق تقديم جزء مما يمتلكونه من مليارات مسروقة كمعونات مالية لتلك الميليشيات، فلا وجود لمنطق العون في نظام المافيات حين يحاصرها الهلع والخوف على المصير.

الضربات العسكرية الأميركية قد تقوّي الميليشيات الإيرانية إن لم تكن ضمن برنامج متكامل لإخراجها من المعادلة العسكرية، مع أن تلك الضربات ستضع تلك الميليشيات في حالة من الخوف والإرباك، وقد تضطر إلى إخفاء مواقع صواريخها الإيرانية في أماكن أقل خطورة على القواعد العسكرية الأميركية التي تقلصت أخيرا، أو على مقربة من حدود جيران العراق العرب، أو قد يقودها ذلك إلى ردود فعل عسكرية هستيرية ضد الشباب الشيعي المنتفض. مشكلة واشنطن هي عدم قدرتها على نزع النفوذ السياسي للميليشيات بعد أن كرست وضعها في البرلمان في السنوات الأخيرة.

يمكن أن يحدث السيناريو الذي يتحدث عن دعم توجه رئيس الوزراء المنتظر عدنان الزرفي لتغيير جدي في بنية الحكم السياسية عن طريق الانتخابات المبكرة بعد نزع أسلحة الأحزاب وميليشياتها، وهذا هو الميدان الحقيقي لكسب المعركة ضد الميليشيات الإيرانية في العراق.

إيران بارعة في إخفاء سياساتها الماكرة، عبر وكلائها، ضد شعب العراق الذي بحاجة إلى عون أصدقائه وأشقائه لاستعادة استقلاله وسيادته، ولا يهم العراقيين أن تفتح واشنطن حربا مع إيران إن كان ذلك بابا لاستقلال بلدهم إن كانت صادقة في ذلك.

كاتب عراقي