تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

هل توسع إيران تصنيفها للأزمات غير الضرورية

مظاهرات إيرانية ضد الولايات المتحدة
AvaToday caption
ترى إيران نفسها مضطرة نتيجة للضغوطات الاقتصاديّة غير المسبوقة في خنقها لرقبة الدولة الإيرانية، بالإضافة للتلويح بعصا عسكرية غليظة، إلى التخلي عن بعض “الأزمات غير الضرورية” وفق تحديد إيراني جديد لها
posted onMay 30, 2019
noتعليق

الوليد خالد يحيى

فور إبرام الاتفاق النووي بين إيران، وإدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، في يوليو 2015، استهلّ الرئيس الإيراني حسن روحاني احتفال نظامه، بالتعبير عن غبطته بانتهاء “الأزمات غير الضرورية” بين بلاده والغرب، فكان ذلك إيضاحا لذهنية النظام الخميني تجاه “الشيطان الأكبر”، فهو يتراوح في شيطانيته صعودا ونزولا، حسب الصفقات والتسويات، التي تحفظ لإيران بعضا من مصالحها الداخلية والإقليمية.

وكذلك الذهنية العامة للولايات المتحدة تجاه خصومها بشكل عام، والمواقف تجاه إيران بشكل خاص، مرتبطة بسلوكها السياسي والأمني حيال ملفات المنطقة، ومدى خدمتها للتوجهات الأميركية العامة، وتجاه بعض الملفات الخاصة وأكثرها إلحاحا وحساسية وراهنية، والمحدد هنا هو تصنيف كل إدارة أميركية وفق منظورها ومصالح القاعدة الاقتصادية والاجتماعية التي تمثلها في الداخل الأميركي، للملف الذي يشكل موضوع اهتمامها الخارجي الأول.

إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، أبرمت الاتفاق النووي مع الجمهورية الإسلامية، دون الكثير من الطلبات من الأخيرة، فقد اكتفت بأن تتخلى طهران عن طموحها في إنتاج السلاح النووي، لتحلّ أهلا في النادي الدولي للحرب على الإرهاب كما في النادي النووي السلمي، فمنظور إدارة أوباما قد حدد حينها إنهاء طموح إيران النووي العسكري، كأولوية تصب لصالح غلق ملف آخر شكل أولوية توجهات إدارة أوباما الخارجية، وهو ملف الحرب على الإرهاب وإنهاء تنظيم داعش.

عشيّة إبرام الاتفاق أضحت إيران شريكة في تلك الحرب، وسُجّل تعاونا ميدانيا لاسيما في العراق، حيث غطت المقاتلات الحربية الأميركية، الميليشيات الإيرانية جوا، في عدّة جولات حاسمة خصوصا في معارك الأنبار في يوليو 2015، ما أسهم بفاعلية في كسر الاستعصاء العسكري في الحرب على الإرهاب على الساحة العراقية، والذي فرضته سابقا التجاذبات الأميركية الإيرانية على طاولة المفاوضات، فحققت إدارة أوباما ما حددته لنفسها من “نجاحات” مرجوة في توجهاتها الخارجية وهي التي صبت جل اهتمامها على القضايا الداخلية.

لتأتي إدارة الرئيس دونالد ترامب الحالية، وقد حددت وفق منظورها جملة من الملفات الخارجية خصوصا لمنطقة الشرق الأوسط، أبرزها التسوية المعروفة بـ”صفقة القرن” وما تتضمنه من تصفية للقضية الفلسطينية بكافة مسائلها وأهمها مسألة اللاجئين، وما تقتضيه أهدافها الأساسية، من حفظ وتكريس وحماية لمصالح إسرائيل بالدرجة الأولى.

من هنا يدفع الضغط الأميركي على إيران والمحددة أهدافه باستجابة طهران للنقاط الاثنتي عشرة الشهيرة، التي قدمها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في مايو من العام الماضي، إلى الخوض في مسار تفاوضي، لانتزاع من إيران ما يسمح بحل الاستعصاءات التي لها دور في إحداثها، بما يخص العديد من الملفّات المتعقلّة بـ”صفقة القرن”.

ومن هنا قد ترى إيران نفسها مضطرة نتيجة للضغوطات الاقتصاديّة غير المسبوقة في خنقها لرقبة الدولة الإيرانية، بالإضافة للتلويح بعصا عسكرية غليظة، إلى التخلي عن بعض “الأزمات غير الضرورية” وفق تحديد إيراني جديد لها، سيظهر بالاستجابة لشروط جوهرية وملحة على رأس أولويات إدارة ترامب وفي صلب متطلبات تسوية القرن.

ومن تلك الشروط، ما هو معلن منها والمتعلّق بضمان تفوّق إسرائيل النووي في المنطقة وأمنها، أي الكشف عن كل التفاصيل المرتبطة ببرنامج طهران النووي، والسماح لوكالة الطاقة الذرية بالتفتيش المستمر، والتوقف عن تخصيب اليورانيوم، وغلق المفاعل الذي يعمل بالماء الثقيل، بالإضافة إلى منح الوكالة الدولية نفاذا شاملا لكل المحطات النووية الإيرانية، بالإضافة إلى الحد من انتشار الصواريخ الباليستية وتلك القادرة على حمل رؤوس نووية.

هذا ما يخص المُعلن من الشروط، والتي يمكن أن تستجيب طهران لها ولن تكون حيال تلك الشروط أكثر تعنتا من نظام كوريا الشمالية، الذي استجاب للمفاوضات والشروط الأميركية، حين بلغت الضغوطات حد الدفع بتعزيزات عسكرية من قبل واشنطن باتجاهها صيف 2017.

كما أنّ طهران تتجنب الوقوع في عزلة دولية، تُخلّفها عن محيطها الإقليمي وتفاقم من أزماتها الاجتماعية، كما تتجنب عمليات عسكرية ضدها وإن كانت محدودة، لكنها ستكون مركزة إن حدثت، وتفقدها ما بنته من إمكانات عسكرية وصناعية وخدماتية على امتداد العقود الماضية، قد تحتاج إلى عقود أخرى لإعادة بنائها، وستكون حتما أكبر بشكل لا يُقارن من أي خسائر قد توقعها إيران في الجانب الآخر الذي يمتلك كل إمكانيات تجاوزها بأمد قصير.

وعليه فإن المزيد من الشروط ينتظر أن تُطرح على نظام إيران، ولم تتضمنها نقاط بومبيو، إلا أنها أكثر أهمية من بعضها، كسحب إيران لميليشياتها من سوريا ورفع أيديها عن ميليشيات تدعمها في العراق واليمن ولبنان، طالما أنه من الممكن أن تصبح غير مهددة لأمن إسرائيل، عبر تعهد إيراني بعدم الاعتداء عليها من قبلها أو أذرعها، ووقف إمدادها بالصواريخ لاسيما ميليشيا حزب الله اللبناني، وألا تتدخل بشكل معرقل في مسار التسوية المرتقبة “صفقة القرن” وأن تسهل تسوية مسائلها المعقدة وأبرزها مسألة توطين اللاجئين الفلسطينيين، في دول يتحكم فيها النفوذ الإيراني بشكل كبير كسوريا ولبنان.

طهران التي تتجنب حربا قد تكون مستعدة لتوسيع تصنيفها لـ”الأزمات غير الضرورية”، ليس لديها متسّع من الوقت للمماطلة أو الالتفاف، فإدارة ترامب تجد أنّ أمامها فرصة استراتيجية لفرض رؤيتها في الشرق الأوسط، قبل حلول الانتخابات في نوفمبر 2020، حيث من المستبعد أن تعطي طهران فرصتها لممارسة سياسة النفس الطويل التي تجيدها، ولن تجازف الأخيرة بتعنت يجرها إلى صدام شديد التكلفة.

كاتب صحافي عراقي