تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الاقتصاد اللبناني برعاية "حزب الله"

حزب الله
AvaToday caption
مشاركة ميليشيا "حزب الله" في حروب خارج لبنان من سوريا إلى اليمن والعراق كجزء لا يتجزأ من المشروع الايراني الساعي لزعزعة الاستقرار في الدول العربية
posted onMay 22, 2023
noتعليق

عالية منصور

أصدرت القاضية الفرنسية أود بوروزي، الثلاثاء، مذكرة توقيف دولية بحق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، بعد تخلفه عن المثول أمامها في تحقيقات تتعلق باختلاسه أكثر من 300 مليون دولار من أموال مصرف لبنان المركزي.

وتسلّم لبنان مذكرة "الإنتربول" بتوقيف سلامة بعد ادعاء القضاء الفرنسي عليه بتهم الاختلاس وتبييض الأموال. ودعا وزير الداخلية اللبناني في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي سلامة للتنحي، وأضاف أنه سينفذ مذكرة الإنتربول بحق سلامة إذا ما قرر القضاء اللبناني الأخذ بها. كذلك فعل كثير من المسؤولين اللبنانيين، وفقا لما نقل الإعلام المحلي، حيث طالب رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ورئيس مجلس النواب سلامة بالاستقالة.

لبنان الذي يعيش أزمة مالية واقتصادية غير مسبوقة منذ أكثر من ثلاث سنوات، خسرت عملته المحلية 98 في المئة من قيمتها بينما تجاوزت نسبة التضخم 170 في المئة سنة 2022.

ويحمّل عدد من اللبنانيين مسؤولية الانهيار الحاصل للطبقة السياسية بأكملها، بالشراكة طبعا مع حاكم مصرف لبنان. ويحاول بعض المسؤولين القول بأن الأزمة سببها اللجوء السوري، لكي يتهربوا من مسؤوليتهم عما آلت إليه الأمور، ويصح القول إن الفساد والسياسات غير المدروسة هي من أسباب الانهيار الحاصل، وأن وجود أكثر من مليون لاجئ زاد من الأعباء على الدولة اللبنانية. لكن يبدو أن كثيرين يتجنبون الإشارة إلى المسبب الأول في هذا الانهيار غير المسبوق وهو "حزب الله"، كما أنه هو المستفيد الأول منه.

فإضافة إلى مشاركة ميليشيا "حزب الله" في حروب خارج لبنان من سوريا إلى اليمن والعراق كجزء لا يتجزأ من المشروع الايراني الساعي لزعزعة الاستقرار في الدول العربية ونشر الفوضى سعيا للسيطرة على هذه الدول، وما نتج عن ذلك من تراجع غير مسبوق لعلاقة لبنان مع محيطه العربي وتحديدا دول الخليج وانعكاس ذلك على الاستثمارات في لبنان، سعى حزب الله مع الانهيار الاقتصادي والمالي في لبنان، وامتناع المصارف عن إعطاء المودعين أموالهم بالدولار، إلى خلق اقتصاد بديل وشبكة من الصرافين بما صار يعرف بالسوق السوداء للدولار في لبنان.

وإن كان "حزب الله" قد خلق اقتصادا بديلا منذ سنوات طويلة لتمويل عملياته ونشاطه غير الشرعي، إلا أنه استفاد من أزمة لبنان الاقتصادية ليوسع من أعماله وليخلق شبكة مصالح مالية حتى مع من كان خارج هذه الشبكة قبل ذلك.

وفي يناير/كانون الثاني من العام الحالي، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية فرض عقوبات على أفراد وكيانات لبنانية لصلتها بتسهيل أنشطة الحزب المالية، وهو المدرج على لائحة الإرهاب.

وقالت الوزارة، في بيان نشر على موقعها الإلكتروني، إن العقوبات طالت من يوصف بالخبير المالي اللبناني، حسن مقلد، ونجليه ريان وراني، وشركة الصرافة "سيتيكس" التي يملكها، بسبب علاقات مالية مع "حزب الله". وأكدت أن "حسن مقلد لعب دورا رئيسا في تمكين حزب الله من الاستمرار في استغلال الأزمة الاقتصادية في لبنان وتفاقمها".

ومن المفيد التذكير بأنه وبعد شهرين من إنشاء مصرف لبنان منصّة صيْرفة، والتي تتولى عملية بيع وشراء العملات الأجنبية النقدية، وتحديداً الدولار، سُجلت شركة "CTEX" للصيرفة في السجل التجاري يوم 14 يوليو/تموز 2021، وبعد يوم واحد من تسجيلها في السجل التجاري، سارع مقلد إلى تأمين ترخيص لشركته لتتحوّل إلى شركة صيرفة، وتستقطب تجّار السوق. ليمنحها المصرف المركزي برئاسة سلامة الترخيص خلال أسبوعين.

واستطاعت شركة "سيتيكس" تأمين سوق مالية موازية لصالح الحزب وحققت له أرباحا طائلة وهذه المرة بالتعاون مع مصرف لبنان.

وإضافة إلى شركة "سيتيكس" ومنذ بداية الأزمة، برزت ظاهرة "صرافي الشارع"، والصراف "الدليفري"، حيث وكّل "حزب الله" في البداية مجموعات تابعة له للعمل في مجال هذا النوع من الصرافة في السوق السوداء ليتمكن من التلاعب بسوق الصرف وسحب أكبر كمية ممكنة من الدولار من السوق. وقد توسع سوق الصرافة غير الشرعية ولكن بقي "حزب الله" المسيطر الأكبر عليها، وانتقم في كثير من الأحيان ممن خرج من تحت عباءته أو ممن فضح أمرهم، ورفع عنهم الغطاء فتحركت أجهزة الأمن اللبناني وأوقفت بعضهم.

ولا ننسى مؤسسة "القرض الحسن" الذراع المالية لـ"حزب الله" والمدرجة على لوائح العقوبات الأميركية منذ العام 2007، والتي رغم كل شيء ما زالت آخذة في التوسع بل وقد أعلن مؤخرا عن افتتاح فروع جديدة لها في عدد من المناطق اللبنانية خارج نطاق وجود الحزب، مما زاد من مخاوف اللبنانيين من هيمنة "حزب الله" على سوق المال وما سينتج عن ذلك من تداخل مع الاقتصاد اللبناني، وخصوصا أن هذه المؤسسة تملك كتلة مالية ضخمة في وقت تغلق فيه المصارف اللبنانية كثيرا من فروعها في كثير من المناطق.

في السابق عرف في لبنان أن سلامة يتمتع بغطاء أميركي، ولكن برز التوجه الأميركي الجديد برفع الغطاء عنه بعدما كشفت وزارة الخزانة الأميركية بوضوح علاقة "حزب الله" بسلامة. وإن كان سلامة في لقائه التلفزيوني الأخير قال إنه "سوّى الأمر" مع الأميركيين، إلا أنه لم ينكر بقوله هذا أنه كان متواطئا مع الحزب لحظة منح حسن مقلد وشركة "سيتيكس" الترخيص.

ومهما كان أثر موضوع استقالة سلامة أو تسليمه للسلطات الفرنسية في لبنان وعلى لبنان، فهو غير فعال في إعادة القطاع المصرفي إلى سكته الصحيحة طالما أن لا شيء حتى اللحظة قادر على إيقاف "حزب الله" ومنعه من العبث بمستقبل لبنان واللبنانيين؛ لأن حسن مقلد وولديه والحاج زين والحاج محمد قصير وغيرهم من الأسماء التي تخضع للعقوبات الأميركية، ليسوا سوى واجهة تخفي وراءها ما هو أكبر بكثير من فساد "حزب الله" وجرائمه المالية بحق لبنان واللبنانيين.