تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

العلمانية تظهر مرة أخرى في إيران

الحوزة العلمية في قم
AvaToday caption
بدأت تراكميًّا مرحلة تلاشي مبادئ الثورة وتآكل الفكر الثوري والفقه الولائي، وهو ما يُمكن تسميته “تآكل الأطروحة الخمينية
posted onJanuary 6, 2019
noتعليق

نشر معهد الدولي للدراسات الإيرانية بحث حول " ظاهرة العلمانية"، في إيران ويتطرق الى إن " العلمانيةُ ظاهرةٌ تاريخية، تسري في أحشاء المجتمعات، الغربية منها والشرقية على السواء، إلا أنها تكون فاعلة في مجتمع، وكامنة على الهامش في مجتمع آخر، حتى إذا ما أُتيحت فرصة فاعليتها عبر سياقات فكرية وفلسفية، وظروف اجتماعية، فتنتقل من الهامش إلى المركز، من الكمون إلى التصدُّر والمرجعية، حسب المسيري. فالعلمانية إذًا ليست كما يُروّج البعضُ أنّها نشأت كردّ فعل ضدّ ثيوقراطية الكنيسة، وتَمرَّد الغرب عليها بعد الثورة العلمية والصناعية، فهي أعمق من ذلك بكثير".

والبحث الذي أعد من قِبل الباحث غير مقيم في المؤسسة البحثية محمد السيد الصياد، و يصف العلمانية بزاويتين الأولى " العلاقة بين الدين والنِّظام السياسي في تلك الدولة، وهل بينهما فصل واستقلال، أمّ إنّ الدين متشابك ومتداخل في السياسة بدرجة يصعب معها التفكيك بينهما"، أما الثانية النظر إلى المجتمع ككلّ، ومدى سريانه نحو الحداثة، أو تمسكه بهويته الوطنية والدينية والتاريخية.

ويقول الصياد " في هذه الدراسة سنحاول أن ندرس الظاهرة العلمانية في إيران، ليس على شمولها، فهذا عملٌ أوسع بكثير ليس محلّه هنا، ولكن من زاوية تحولاتها الدينية والمجتمعية، ومدى تأثيرها على النِّظام السياسي".

ومن الدواعي المهمَّة لتلك الدراسة أنّنا نجدُ معظم المعنيين بالشأن الإيرانيّ ينظرون إلى نظرية “ولاية الفقيه” وتأثيراتها الهائلة على وضع الحوزة والدولة، ويتغافلون تمامًا عن الوجه الآخر لإيران، ومن ثمّ لا يُمكن الانتهاء إلى مخرجات شاملة دون فحص الآخر الإيرانيّ، والآخر المعنيّ هنا هو العلمانية الإيرانية.

بعد نجاح الثورة الإسلامية في العام 1979م، بدأت السلطات الإيرانية في فرض نمطها على المجتمع، واستعملت أدوات كثيرة لقولبة المجتمع بصبغة جديدة، مثل أسلمة العلوم والمعارف كطريقٍ لأسلمة المجتمع، وكانت تلك الأسلمة مدروسة وممنهجة، اتخذت شكل مشروعات كبرى في الإعلام والإذاعة والتليفزيون، والجامعات والمناهج التعليمية. وكان المقصد من وراء هذه العمليات الممنهجة هو تخليق هوية جديدة ودائمة للمجتمع، وربطه بنظرية ولاية الفقيه المطلقة، وترسيخ أفكار ومبادئ الثورة.

اعتقدَ قادةُ الثورة والنخبة الحاكمة الإيرانية [الدينية والسياسية] أنّ بإمكان تلك العمليات الممنهجة في أسلمة المجتمع أن تدوم وتستمرّ وتكفل مجتمعًا متناغمًا، ومتجانسًا، بهوية واحدة وهمومٍ واحدة.

لكن مع خفوت الهاجس الثوري، ونجاح الثورة في القضاء على معارضيها، وجماعات النفوذ المناهضة لها، وانتهاء الحرب العراقية-الإيرانية، وسقوط الشيوعية بانهيار الاتِّحاد السوفييتي، وكذلك نشوء أجيال جديدة لم تشهد الزخم الثوري من مواليد الثمانينيات والتسعينيات وما بعدهما... من هنا بدأت تراكميًّا مرحلة تلاشي مبادئ الثورة وتآكل الفكر الثوري والفقه الولائي، وهو ما يُمكن تسميته “تآكل الأطروحة الخمينية”.

ويصف الباحث أيضاً "صعود مَوْجة علمانية ذات شقين، شق حوزوي نابع من الحوزة ومتأصّل فيها، وشقّ حداثي تغريبيّ متأثر بالثقافة والقيم الغربية -وقد ساهم النِّظام السياسيّ في صعود العلمانيتين بطريقٍ غير مباشر كما سيأتي- مما أقلق النخبة الحاكمة في إيران فبدأت العمل للحيلولة ضدّه على عدة مستويات".

كما تحدث تقرير معهد الدولي للدراسات الإيرانية عن "الصعود العلماني في المجتمع الإيرانيّ الذي يُمكن قياسه عبر مظاهره المتنامية في أحشاء المجتمع أقلق النخبة الدينية الحاكمة، كأنّ العقل الجمعي لتلك النخبة ينظُر بألمٍ إلى إخفاق المشروع الدينيّ والسياسي".

يؤكد أيضاً  "ليس على مستوى الواقع بل على مستوى الأفكار والمثاليات، فمناهج الأسلمة الشاملة، والاشتباك المادي مع المناهضين لأطروحة ولاية الفقيه، واعتماد القراءة الخمينية كعقيدة من عقائد المذهب، كل ذلك لم يُجدِ نفعًا، إذ فوجئت النخبة الحاكمة بجيل جديدٍ يثور فكريًّا على هذا النمط من الحياة ويتمرد على القراءة الرسميَّة والسلطوية للدين".