تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

النووي الإيراني بين الاحياء والإلغاء

الصواريخ
AvaToday caption
الاتفاق النووي هو الكارثة التي جرت المنطقة إلى ما هي عليه اليوم. فلو لم تكن هناك إيران التي تحمل في جعبتها المليارات ما كان ذلك الاستقواء الميليشياوي في لبنان والعراق اليمن
posted onJanuary 16, 2022
noتعليق

فاروق يوسف

ستكون مفاجأة غير سارة لو اكتشفت إيران أن أحدا من مفاوضيها لا يفكر في إعادة الروح إلى اتفاق عام 2015.

لقد مات ذلك الاتفاق لا بسبب انسحاب الولايات المتحدة منه، بل بسبب اختراق إيران لبنوده وعدم تقيدها بمفرداته.

لم تتعامل إيران مع الانسحاب الأميركي بمزاج معتدل، بل قابلت ما اعتبرته ظلما بإجراءات تبرر القرار الأميركي وتستدعي مزيدا من العقوبات.

منذ أن انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق أظهر النظام الإيراني عدم اكتراث به وبما يمكن أن يقود إليه عدم الالتزام ببنوده.

لو تصرفت إيران بطريقة حكيمة لكانت كسبت موقف الدول الأوروبية إلى جانبها. ولكن أوروبا الآن تشكك في إمكانية احياء الاتفاق القديم.

هناك اليوم إيران نووية أخرى غير تلك الإيران التي كانت عام 2015. وهي إيران فلتت من المعيار الذي عالجه الاتفاق الذي فرضه أوباما.

كان الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما هو رجل الاتفاق النووي مع إيران. هو الذي برمجه وهو الذي أبقاه حيا.

الأهم من كل ذلك أن إيران بالرغم من سجلها الإرهابي حصلت بموجب ذلك الاتفاق على مليارات من الدولارات كانت فائضة وزعتها على ميليشياتها.

كان الاتفاق النووي هو الكارثة التي جرت المنطقة إلى ما هي عليه اليوم. فلو لم تكن هناك إيران التي تحمل في جعبتها المليارات ما كان ذلك الاستقواء الميليشياوي في لبنان والعراق اليمن.  

اليوم لا أحد يفكر نيابة عن أميركا. ولكن أميركا نفسها تفكر بطريقة مختلفة بعد عاصفة ترامب. لقد صحت أميركا على الموعد الذي ستصبح فيه إيران دولة نووية. ذلك ما تخافه أوروبا أولا. وهو ما لم تعد به حلفاءها في المنطقة الذين باتوا يعلنون صراحة عن خوفهم من أن تخذلهم الولايات المتحدة. وهم محقون في خوفهم.

كان من الممكن أن تشاركهم أوروبا خوفهم لولا ثقتها بما تملك من وسائل ضغط لإيقاف أي تخاذل أميركي. فهل ذلك التخاذل متوقع الآن مثلما كان في الأيام الأولى لولاية الرئيس بايدن؟

لقد استرخت إيران مطمئنة إلى ما وصلتها من تقارير تخص الموقف الأميركي الجديد. ذلك ما دفع بها إلى التشدد أو على الأقل الظهور بموقف الدولة غير المبالية بالاتفاق وهو ما دفعها إلى اختراقه من خلال تسريع العمل في منشآتها النووية.

لقد فاجأت إيران الدول الأوروبية التي سعت إلى أن تحميها من تأثير العقوبات الأميركية في مقابل أن تلتزم بالاتفاق النووي الذي كان بمثابة قارب النجاة بالنسبة لدولة انهكتها العقوبات الاقتصادية ولم تعد قادرة عل تصدير إلا نسبة ضئيلة من نفطها.

لربما كان السلوك الإيراني بمثابة صدمة بالنسبة لإدارة الرئيس بايدن التي كانت تضغط في اتجاه احياء الاتفاق النووي القديم وعبور المرحلة الحرجة بأقل الخسائر.

اليوم إذ تتفاوض إيران في فيينا من أجل احياء الاتفاق القديم فإنها صارت على تماس مع حقائق جديدة عليها التعامل معها بشكل جاد مع تقدير حجم الخسائر التي ستتعرض لها. بمعنى أن على إيران أن تفاجئ نفسها بتنازلات هي ليست مستعدة لها من أجل أن تلين الموقف الأميركي الجديد الذي ما كان يصل إلى مرحلة التشدد لولا شعور الولايات المتحدة بحراجة موقفها أمام حلفائها وبالأخص إسرائيل والسعودية مع الأخذ بالاعتبار موقف الأوروبيين الجديد بعد أن فاجأتهم إيران بسلوكها غير الملتزم

فهل إيران مستعدة للقيام بذلك؟

ولكن ألا يزال الأميركان والأوروبيون في انتظار موقف إيراني مرن؟

لا أعتقد أن المسافة بين طرفي المفاوضات (الإيراني والغربي) قد تم اختصارها في الجولات السابقة. العكس هو الصحيح حيث صارت المسافة أكثر طولا والعلاقة أكثر تعقيدا. هناك أميركا أخرى في مقابل إيران أخرى. في مرحلة سابقة كانت الإدارة الأميركية مقبلة على احياء الاتفاق النووي القديم، غير أن إيران أحبطت آمالها فانتبهت إلى خطأها اما إيران فقد كانت مقبلة على احياء الاتفاق النووي القديم من غير أن تتخلى عن رغبتها في التصرف كما لو أنها قارة بعيدة لا تقع تحت الرقابة الدولية

هنا وقع الخلاف الذي لا يمكن أن يُحل عن طريق احياء الاتفاق النووي القديم الذي يمكن اعتباره ميتا بسبب أن طرفيه صارا غريبين عنه وكل وحد منهما يفكر فيه بطريقة مختلفة عن الطريقة التي يفكر من خلالها الطرف الثاني. ما صار على إيران أن تدركه أن الأمور في حدود ما يُرى منها لم تعد تجري لصالحها.